للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قابل له قد هُيِّئَ له، فإذا استفرغ وسعه فيه بَرز على غيره، وفاق الناس فيه وصار كما قيل:

ما زال يَسبق حتى قال حاسدُه … له طريق إلى العلياءِ مختصرُ (١)

وهذا كالمريض الذي يشكو وجع البطن مثلًا، إذا استعمل دواء ذلك الداء انتفع به، وإذا استعمل دواء وجع الرأس لم يصادف داءه، فالشحُّ المطاع مثلًا من المهلكات ولا يزيله صيام مائة عام ولا قيام ليلها. وكذا داء اتباع الهوى والإعجاب بالنفس لا يلائمه كثرة قراءة القرآن، واستفراغ الوسع والذكر والزهد، وإنما يزيله إخراجه من القلب بضده.

ولو قيل: أيّما أفضل: الخبز أو الماء؟

لكان الجواب: إن هذا في موضعه أفضل، وهذا في موضعه أفضل.

وإذا عرفتَ هذه القاعدة (٢) فالشكر ببذل المال عمل صالح يحصل به للقلب حال، وهو زوال البخل والشحِّ بسبب خروج الدنيا منه، فيتهيأ لمعرفة اللَّه ومحبته، فهو دواء للداء الذي في القلب يمنعه من المقصود.

وأما الزاهد فقد استراح من هذا الداء والدواء، وتوفرت قوته على استفراغ الوسع في حصول المقصود.

ثم أوردوا على أنفسهم سؤالًا، فقالوا: فإن قيل: فقد حث الشرع على الأعمال؟


(١) هذا البيت للبحتري من قصيدة في ديوانه (٩٥٧).
(٢) أشار إلى هذه القاعدة وضرب لها بعض الأمثلة مما ساقه الإمام ابن القيم : الغزالي في "إحياء علوم الدين" (٤/ ١١٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>