للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هو تجلد كصبر البهائم، وصبر الطاعة لا يأتي به إلا شاكر، ولكن اندرج شكره في صبره فكان الحُكْمُ للصبر، كما اندرج صبر الشكور في شكره فكان الحكم للشكر.

فمقامات الإيمان لا تعدم بالتنقل بل تندرج وينطوي الأدنى في الأعلى كما يندرج الإيمان في الإحسان، وكما يندرج الصبر في مقام الرضى، لا أن الصبر يزول، ويندرج الرضى في التفويض، ويندرج الخوف والرجاء في الحب، لا أنهما يزولان.

فالمقدور الواحد يتعلق به الشكر والصبر سواء كان محبوبًا أو مكروهًا، فالفقر مثلًا يتعلق به الصبر وهو أخص به لما فيه من الكراهة، ويتعلق به الشكر لما فيه من النعمة، فمن غلب عليه شهود نعمته وتلذّذ به واستراح واطمأن إليه عدّه نعمة يشكر عليها، ومن غلب عليه شهود ما فيه من الابتلاء والضيق والحاجة عدّه بلية يصبر عليها، وعكسه الغنى.

على أن اللَّه سبحانه ابتلى العباد بالنعم كما ابتلاهم بالمصائب، وعدّ ذلك كله ابتلاء، فقال: ﴿وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً﴾ [الأنبياء: ٣٥]. وقال: ﴿فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (١٥) وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ (١٦)[الفجر: ١٥، ١٦]. وقال: ﴿إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا (٧)[الكهف: ٧]. وقال: هو ﴿الَّذِي (١) خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا﴾ [الملك: ٢] وقال: ﴿وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا﴾ [هود: ٧].


(١) ليست في الأصل.

<<  <  ج: ص:  >  >>