للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كما قال تعالى: ﴿وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ (١٤٥)[آل عمران: ١٤٥]، ﴿وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ (١٤٤)[آل عمران: ١٤٤].

بل قد أخبر أن رضاه في الشكر، ورضاه أكبر من جزائه بالجنات وما فيها، وإذا جزى اللَّه الصابرين الغرفة بما صبروا لم يدل ذلك على أنه لا يجزي الشاكرين الغرفة بما شكروا.

- وأما الحديث فلا حجة فيه لوجهين:

أحدهما: أنه لا يحتج بإسناده، فإنه من حديث ثابت بن محمد الكوفي عن الحارث بن النعمان، والحارث هذا لم يحتج به أصحاب الصحيح، بل قال فيه البخاري: منكر الحديث. ولذلك لم يصحح الترمذي حديثه هذا ولا حسَّنه ولا سكت عنه، بل حكم بغرابته (١).

الجواب الثاني: أن الحديث لو صح لم يدل على مطلوبهم؛ فإن المسكنة التي يحبها اللَّه من عبده ليست مسكنة فقر المال، بل مسكنة القلب وهي انكساره وذله وخشوعه وتواضعه للَّه، وهذه المسكنة لا تُنافي الغِنى ولا يُشترط لها الفقر، فإن انكسار القلب للَّه ومسكنته لعظمته وجلاله وكبريائه وأسمائه وصفاته أفضل وأعلى من مسكنة عدم المال، كما أن صبر القادر الواجد عن معاصي اللَّه طوعًا واختيارًا وخشية من اللَّه ومحبة له أعلى من صبر الفقير العاجز.

وقد آتى اللَّه سبحانه جماعة من أنبيائه ورسله الغنى والملك، ولم يخرجهم ذلك عن المسكنة للَّه.

قال الإمام أحمد: حدثنا يزيد بن هارون أنبأنا الجريري عن أبي


(١) كما سبق، وانظر قول البخاري في "الضعفاء الصغير" له ص (٢٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>