للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتأمل مطابقة الإضراب لهذا المعنى وهو نفي قولهم: أنا لو رُددنا لآمنا وصدقنا، لأنه ظهر لنا الآن أن (١) ما قالت الرسل هو الحق، أي: ليس كذلك بل كنتم تعلمون ذلك وتعرفونه وكنتم تخفونه، فلم يظهر لكم شيء لم تكونوا عالمين به لِتُعذَروا، بل ظهر لكم ما كان معلومًا لكم وكنتم تواصون بإخفائه وكتمانه واللَّه أعلم.

ولا تستطل هذا الفصل المعترض في أثناء هذه المسألة فلعله أهم منها وأنفع، وباللَّه التوفيق.

فلنرجع إلى تمام الكلام فيها وقوله: ﴿كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ (٥)[التكاثر: ٥] جوابه محذوف دلّ عليه ما تقدم، أي: لما ألهاكم التكاثر، وإنما وجد هذا التكاثر وإلهاؤه عما هو أولى بكم لما فقد منكم علم اليقين، وهو العلم الذي يصل بصاحبه إلى حدّ الضروريات التي لا يُشك ولا يمارى في صحتها وثبوتها.

ولو وصلت حقيقة هذا العلم إلى القلب وباشرته لما ألهاه عن موجبه وترتب أثره عليه، فإن مجرّد العلم بقبح الشيء وسوء عواقبه قد لا يكفي في تركه، فإذا صار له علم يقين كان اقتضاء هذا العلم لتركه أشد، فإذا صار عين يقين كجملة المشاهدات كان تخلف موجبه عنه من أندر شيء، وفي هذا المعنى قال حسان في أهل بدر:

سِرْنا وساروا إلى بَدْرٍ لِحَينهم (٢) … لو يعلمونَ يقين العِلْمِ ما ساروا (٣)


(١) ليست في الأصل، واستدركتها من النسخ الثلاث الأخرى.
(٢) في (ب): "لحتفهم".
(٣) انظره في ديوان حسان: (١/ ٤٧٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>