للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دون ذلك على قدر هممهم وما يليق بهم، لكن هممهم مصروفة إلى تعبئة الأحمال والانتقال من المدينة.

وأقبلت فرقة أخرى على عمارة القصور في تلك المدينة والاشتغال بطيباتها ولذاتها ونزهها، وحاربوا العازمين على النقلة، وقالوا: لا ندعكم تأخذون من متاعنا شيئًا، فإن شاركتمونا في عمارة المدينة واستيطانها وعيشنا فيها، وإلا لم نمكنكم من النقلة، ولا من شيء من المتاع، فوقدت الحرب بينهم فقاتلوا السائرين، وعمدوا إلى أموالهم وأهليهم، وما نقموا منهم إلا سيرهم إلى دار الملك وإجابة داعيه، والرغبة عن تلك الدار التي أمرهم بتركها.

وأقبلت فرقة أخرى على التنزه والبطالة والراحة والدعة، وقالوا: لا نتعب أنفسنا في عمارتها، ولا ننتقل منها، ولا نعارض من أراد النقلة، ولا نحاربهم، ولا نعاديهم.

وكان للملك فيها قصر فيه حرم له وقد أحاط عليه سورًا، وأقام عليه حرسًا، ومنع أهل المدينة من قربانه، وطاف به القاعدون فلم يجدوا فيه بابًا يدخلون منه، فعمدوا إلى جدرانه فنقبوه ووصلوا إلى حريمه فأفسدوهم، ونالوا منه ما أسخط الملك وأغضبه وشقّ عليه، ولم يقتصروا على ذلك حتى دعوا غيرهم (١) إلى إفساد حريمه والنيل منهم، فبينما هم على تلك الحال، وإذا بالنفير قد صاح فيهم كلهم فلم يُمكن أحدًا منهم التخلف، فحملوا على تلك الحال وأحضروا بين يدي الملك، فاستعرضهم واحدًا بعد واحد، وعرضت بضائعهم وما قدموا به


(١) في الأصل: "غيره". والمثبت من النسخ الأخرى.

<<  <  ج: ص:  >  >>