للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومعنى هذا: أن من زاول شيئًا واعتاده وتمرن عليه صار ملَكةً له وسجية وطبيعة.

قالوا: والعوائدُ تنقل الطّبائع؛ فلا يزال العبد يتكلف التصبُّر حتى يصير الصبر له سجية، كما أنه لا يزال يتكلف الحلم والوقار والسكينة والثبات حتى تصير له أخلاقًا بمنزلة الطبائع.

قالوا: وقد جعل اللَّه سبحانه في الإنسان قوة القبول والتعلم والتهيؤ للكمال (١)، فنقل الطبائع عن مقتضياتها غير مستحيل، غير أن هذا الانتقالَ قد يكون ضعيفًا فيعود العبد إلى طبعه بأدنى باعث، وقد يكون قويًّا ولكن لم ينتقل الطبع انتقالًا تامًّا (٢)، فقد يعود إلى طبعه إذا قوي الباعث واشتد، وقد يستحكم الانتقال بحيث يستحدث صاحبُه طبعًا ثانيَا، فهذا لا يكاد يعود إلى طبعه الذي انتقل عنه.

وأما الاصْطبار فهو أبلغ من التصبُّر؛ فإنه افتعال للصبر بمنزلة الاكتساب، فالتصبر مبدأ الاصطبار، كما أن التكسب مقدمة الاكتساب، فلا يزال التصبُّر يتكرر حتى يصير اصطبارًا.

وأما المُصابرة فهي مقاومة الخصم في ميدان الصبر؛ فإنها مفاعلة تستدعي وقوعَها بين اثنين كالمُشاتمة والمُضاربة، قال تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا﴾ [آل عمران: ٢٠٠]؛ فأمرهم بالصبر وهو حال الصابر في نفسه، والمصابرة وهي حاله في التصبُّر مع خصمه، والمرابطة وهي الثبات واللزوم والإقامة على التصبُّر والمصابرة، فقد


(١) قوله: "والتهيؤ للكمال" ليس في (ب).
(٢) قوله: "انتقالًا تامًّا" ليس في (ب).

<<  <  ج: ص:  >  >>