أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [(٥٨) سورة النساء] هل يلزم أن تقول: {وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ} [(٥٨) سورة النساء]؟ نعم، لا يلزم، ومثله إذا كان الحديث عن العدل، هل يلزمك أن تقول:{إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ} [(٥٨) سورة النساء]؟ تقتصر على ما تريد؛ لأن ما حذفته لا تعلق له بما ذكرته، فإذا جاز الاقتصار على بعض الآية في مثل قوله تعالى:{إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} ولا يجب الإتمام لمن أراد أن يحتج بالآية على وجوب أداء الأمانات، فلا يلزمه حينئذٍ أن يقول:{وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ} وصنيع الأئمة جارٍ على جواز الاقتصار، وصحيح البخاري فيه من ذلك الشيء الكثير، مملوء من أجزاء الأحاديث التي يقتصر فيها الإمام البخاري على موضع الحاجة من الحديث، ومن أمثلة ذلك: صحيفة همام بن منبه عن أبي هريرة صحيفة طويلة تشتمل على أكثر من مائة وثلاثين جملة، سيقت في مسند الإمام أحمد مساقاً واحداً، سيقت في المسند مساقاً واحداً وفرقت في الصحيحين.
أقول: صحيفة همام بن منبه تشتمل على أكثر من مائة وثلاثين جملة، هي مسوقة سياقاً واحداً في مسند الإمام أحمد؛ لأنه مرتب على المسانيد، ففي أحاديث أبي هريرة ذكر هذه الصحيفة كاملة، والإمام البخاري -رحمه الله تعالى- استشهد من هذه الصحيفة في مواضع كثيرة قطع منها ما يحتاجه من الجمل في مواضع، وكذلك مسلم، وللبخاري طريقته فيما يختاره، ولمسلم طريقته، فالبخاري إذا أراد أن ينقل من الصحيفة نقل عن همام عن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال:((نحن الآخرون السابقون يوم القيامة .. )) ثم يردف هذه الجملة بما يريد، هذه طريقة البخاري، طريقة مسلم يقتصر على ما يريد بعد أن يقول: عن همام عن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فذكر أحاديث منها، ثم يذكر ما يريد، وهذا مصير منهما إلى جواز تقطيع الحديث، والاقتصار على ما يريد منه.