يبقى أن المسألة التي يجبن الإنسان عنها في حالة ما إذا اتفق الأئمة الأربعة على قول، وهذه مسألة ذكرناها مراراً، وخالفهم الظاهرية مثلاً، وما بين يديك مما يتعلق بالمسألة يؤيد قول الظاهرية، والأئمة الأربعة كلهم على خلاف هذا القول، والدليل الظاهر الذي بين يديك مما يؤيد قول الظاهرية، فهل تقول العبرة بالدليل ولو خالفه من خالفه كائناً من كان كما هو الأصل؟ وهذا هو الأصل، وترجح حينئذٍ قول الظاهرية ولو لم يقل به أحد من الأئمة المعتبرين، أو تقول: هؤلاء الأئمة اتفاقهم مع اتفاق أتباعهم على مر القرون يدل على أن لهم دليلاً لم أقف عليه، فيكون في هذا اتهام للنفس بالتقصير، وليس اتهاماً للأئمة بمخالفة الدليل، هذا لا شك أن اتفاق الأربعة يورث عند طالب العلم هيبة لا سيما وأن لهم أتباع حرروا مذاهبهم ونقحوها، وفيهم من له عناية بالسنة من هؤلاء الأتباع، ولذلك لا يترددون في ترجيح الأقوال الأخرى على قول إمامهم، يعني عُرف هذا في الشافعية كثير، ترجيح أقوال الأئمة الآخرين على قول الشافعي لظهور الدليل في هذه المسائل، ومع ذلك اتفقوا مع إمامهم مع الأئمة الثلاثة الآخرين على ترجيح هذا القول، وتواطئوا عليه، ولا يعرف لهم مخالف إلا أهل الظاهر، فهل نرجح قول أهل الظاهر لأن الدليل معهم الذي بين أيدينا الذي وقفنا عليه، أو نقول: إن تواطؤ هؤلاء الأئمة لا يمكن أن يحصل من غير دليل؟ بل لهم دليل علنا لم نقف عليه، ونتهم أنفسنا بالتقصير؟ لا شك أن تضافر الأئمة مع أتباعهم إلى يومنا هذا يورث للقول هيبة، أما لو وجد قول لواحد من هؤلاء الأئمة الأربعة ومعه ظاهر الدليل فلا نتردد في ترجيحه على غيره، اتفاق الأئمة الأربعة على قول مع أتباعهم، ما يعرف ولا واحد من الأتباع خالفهم، يعني الحنابلة فيهم أئمة محققون، يعني لو أن قول الإمام أحمد ومشى عليه شيخ الإسلام وابن القيم، وأئمة التحقيق ممن جاء بعدهم، والإمام الشافعي أيد قوله الحافظ البيهقي والذهبي والنووي، وابن المنذر وغيره ممن يعتني بالدليل، لا شك أن مثل هذا له هيبة، وأبو حنيفة ووافقه صاحباه، ومالك وافقه أهل بلده عليه، مثل هذا لا شك أنه يجعل الإنسان يراجع نفسه، ويزيد في البحث.