يقول:"وإن قلت إلا أن يكون ذلك النجس دماً أو قيحاً يسيراً مما لا يفحش في القلب" لأن الدم يعفى عن يسيره، ليس حكمه حكم البول، وفي المسائل الماردينية لشيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- يسأل عن المذي هل يعفى عن يسيره كالدم أو لا كالبول؟ قال:"إلا أن يكون ذلك النجس دماً أو قيحاً يسيراً مما لا يفحش في القلب" البول والغائط هذه مفروغ منها، ((كان لا يستنزه من بوله)) ((لا يستبرئ من بوله)) ((لا يستتر من بوله)) هذه تدل على التشديد، وأن عامة عذاب القبر من هذا، تدل على التشديد في أمره، لكن الدم؟ الدم المسفوح لا شك في نجاسته، وكذلك دم الحيض جاء الأمر بغسله وحته، والعفو عن أثره إذا لم تستطاع إزالته، والأثر دليل على وجود بقاء شيء منه، إذا وجد أثر لون مثلاً صفرة ما زالت دليل على وجود شيء منه، فدل على أنه يعفى عن يسيره، وكذلك القيح من باب أولى؛ لأن أصله الدم تحول إلى القيح.
"يسيراً مما لا يفحش في القلب" لأنهم يقولون في مبطلات الطهارة: الخارج الفاحش النجس من البدن، يعني غير ما يخرج من السبيلين، الخارج النجس الفاحش، لا بد أن يكون فاحشاً، يعني لا يكون قليلاً يسيراً لا يفحش، ولذلك قال:"إلا أن يكون ذلك دماً يسيراً مما لا يفحش في القلب" فرد هذا إلى قلب الإنسان ونظرته إلى هذا النجس قلة وكثرة، ورده إلى ما يقوم بالإنسان، وكل إنسان بحسبه، ولا شك أن الناس يتفاوتون ويتباينون في تقدير هذه الأمور تبياناً كبيراً، منهم الموسوس الذي يتردد في لا شيء، الموسوس، ومنهم الجزار الذي يباشر الدماء المسفوحة، فتجده مع كثرة الإمساس يقل عنده الإحساس، فهل المرد إلى قلب كل إنسان، نقول: الجزار هو وديانته ينظر هل هو فاحش أو ليس بفاحش؟ والموسوس ينظر، والمتوسط ينظر؟ المقصود أن المؤلف رده إلى ذات الإنسان، ومنهم من قدر ذلك للجميع، إما بالقطرات في الدم، أو بالمساحة، أو ما أشبه ذلك، ومنهم من رده إلى العرف، فما كان في عرف الناس فاحشاً فهو فاحش، وما كان غير فاحش بل يسير فإنه حينئذٍ يسير.