للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الإنكار بعد الإقرار إدخالا للعنق في ربقة الكذب لا محالة أو للتهمة، وكذا ما يحكى عنه أن عدي بن أرطاة أتاه ومعه امرأة له من أهل الكوفة يخاصمها، فلما جلس بين يدي شريح قال عدي: أين أنت؟ قال بينك وبين الحائط قال إني امرؤ من أهل الشام قال بعيد سحيق قال وإني قدمت العراق قال خير مقدم قال وتزوجت هذه قال بالرفاء والبنين قال وأنها ولدت غلاما قال ليهنك الفارس قال وأردت أن أنقلها على داري قال المرء أحق بأهله قال قد كنت شرطت لها وكرها قال الشرط أملك قال اقض بيننا قال فعلت قال فعلى من قضيت قال على ابن أمك عدل شريح عن لفظ عليك لئلا يواجهه بالتصريح على ما يشق على المخاصم من القضاء عليه، أو أن تومئ بذلك على وجه بناء الخبر الذي تبنيه عليه فتقول الذين آمنوا لهم درجات النعيم والذين كفروا لهم دركات الجحيم. ثم يتفرع على هذا اعتبارات لطيفة ربما جعل ذريعة على التعريض بالتعظيم كقولك الذي يرافقك يستحق الإجلال والرفع والذي يفارقك يستحق الإذلال والصفع ومنه قولهم جاء بعد اللتيا واللتي، وسيأتيك في فصل الإيجاز معناه، أو بالإهانة كما إذا قلبت الخبر في الصورتين وربما جعل ذريعة على تعظيم شأن الخبر كقوله:

إن الذي سمك السما بنى لنا ... بيتا دعائمه أعز وأطول

وربما جعل ذريعة على تحقيق الخبر كقوله:

إن التي ضربت بيتا مهاجرة ... بكوفة الجند غالت ودها غول

وربما جعل ذريعة على التنبيه للمخاطب على خطأ كقوله:

إن الذين ترونهم إخوانكم ... يشفى غليل صدورهم أن تصرعوا

أو على معنى آخر كقوله:

إن الذي الوحشة في داره ... يؤنسه الرحمة في لحده

وربما قصد بذلك أن يتوجه ذهن السامع على ما سيخبر به عنه منتظرا

<<  <   >  >>