شق القلم وبدني أضعف من قصبة وطعامي أمر من العفص وشرابي أشد سوادا من الحبر وسوء الحال بي ألزم من الصمغ. ولصاحب علم المعاني فضل احتياج في هذا الفن على التنبه لأنواع هذا الجامع والتيقظ لها لا سيما النوع الخيالي فإن جمعه على مجرى الألف والعادة بحسب ما تنعقد الأسباب في استيداع الصور خزانة الخيال وأن الأسباب لكما ترى على حد تتباين في شأن الجمع بين صور وصور فمن أسباب تجمع بين صومعة وقنديل وقرآن، ومن أسباب تجمع بين دسكرة وإبريق وأقران فقل لي إذا لم يوفه حقه من التيقظ وأنه من أهل المدرأتي يستحلي كلام رب العزة مع أهل الوبر حيث يبصرهم الدلائل ناسقا ذلك النسق " أفلا ينظرون على الإبل كيف خلقت وعلى السماء كيف رفعت وعلى الجبال كيف نصبت وعلى الأرض كيف سطحت " لبعد البعير عن خياله في مقام النظر ثم لبعده في خياله عن السماء وبعد خلقه عن رفعها وكذا البواقي لكن إذا وفاه حقه بتيقظه لما عليه تقلبهم في حاجاتهم جاء الاستحلاء وذلك إذا نظر أن أهل الوبر إذا كان مطعمهم ومشربهم وملبسهم من المواشي كانت عنايتهم مصروفة لا محالة على أكثرها نفعا وهي الإبل ثم إذا كان انتفاعهم بها لا يتحصل إلا بأن ترعى وتشرب كان جل مرمى غرضهم نزول المطر وأهم مسارح النظر عندهم السماء ثم إذا كانوا مضطرين على مأوى يأويهم وعلى حصن يتحصنون فيه ولا مأوى ولا حصن إلا الجبال.
لنا جبل يحتله من نجيره ... منيع يرد الطرف وهو كليل
فما ظنك بالتفات خاطرهم إليها ثم إذا تعذر طول مكثهم في منزل ومن الأصحاب مواش بذاك كان عقد الهمة عندهم بالتنقل من أرض