للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الذين يسمعون " فإن كل عاقل يعلم أنه لا يكون استجابة إلا ممن يسمع ويعقل وقوله " إنما أنت منذر من يخشاها " فلا يخفى على أحد ممن به مسكة أن الإنذار إنما يكون إنذاراً ويكون له تأثير إذا كان مع من يؤمن بالله وبالبعث والقيامة وأهوالها ويخشى عقابها، وقولهم إنما يعجل من يخشى الفوت فمركوز في العقول أن من لم يخش الفوت لم يعجل، وإذا كان له اختصاص لم يصح فيه استعمال لا العاطفة فلا تقل إنما يعجل من يخشى الفوت لا من يأمنه، وطريق النفي والاستثناء يسلك مع مخاطب تعتقد فيه أنه مخطئ وتراه يصر كما إذا رفع لكم شبح من بعيد لم تقل ما ذاك إلا زيد لصاحبك إلا وهو يتوهمه غير زيد ويصر على إنكار أن يكون إياه وما قال الكفار للرسل إن أنتم إلا بشر مثلنا إلا والرسل عندهم في معرض المنتفي عن البشرية والمنسلخ عنه حكمها بناء على جهلهم أن الرسول يمتنع أن يكون بشراً أو ما تسمع في موضع آخر كيف تجد ما يحكى عنهم هناك يرشح بما يتلوث به صماخك من تقرير جهلهم هذا، وهو " ما أنتم إلا بشر مثلنا وما أنزل الرحمن من شيء إن أنتم إلا تكذبون " وما أعجب شأن المشركين ما رضوا للنبي صلى الله عليه وسلم أن يكون بشراً ورضوا للإله أن يكون حجرا. وأما قول الرسل لهم إن نحن إلا بشر مثلكم فمن باب المجاراة وإرخاء العنان مع الخصم ليعثر حيث يراد تبكيته كما قد يقول من يخالفك فيما ادعيت أنك من شأنك

كيت وكيت فأنت تقول نعم إن من شأني كيت وكيت والحق في يدك هناك ولكن كيف يقدح في دعواي هاتيك، وعلى هذا ما من موضع يأتي فيه النفي والاستثناء إلا والمخاطب عند المتكلم مرتكب للخطأ مع إصرار إما تحقيقا إذا أخرج الكلام على مقتضى الظاهر وإما تقديرا إذا أخرج لا على مقتضى الظاهر كقوله تعالى " وما أنت بمسمع من في القبور إن أنت إلا نذير " لما كان النبي عليه الصلاة والسلام شديد الحرص على هداية الخلق وما كان متمناه شيئاً سوى أن يرجعوا عن الكفر فيملكوا زمام السعادة عاجلا وآجلا، ومتى رآهم لم يؤمنوا تداخله عليه الصلاة والسلام من الوجد والكآبة ما كاد يبخع له حتى قيل له " فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا " ويتساقط عليه الصلاة والسلام حسرات على توليهم وإعراضهم عن الحق، وما كانت شفقته عليهم تدعه يلقي حبلهم على غار بهم ليهيموا في أودية الضلال بل كانت تدعوه عليه الصلاة والسلام أن يرجع على تزيين الإيمان لهم عودة على بدئه عسى أن يسمعوا ويعوا راكباً في ذلك كل صعب وذلول أبرز لذلك في معرض من ظن أنه يملك غرس الإيمان في قلوبهم مع إصرارهم على الكفر فقيل له لست هناك " إن أنت إلا نذير " وقوله عز وعلا " قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء إن أنا إلا نذير وبشير لقوم يؤمنون " مصبوب في هذا القالب. وطريق إنما يسلك مع مخاطب في مقام لا يصر على خطئه أو يجب عليه أن لا يصر على خطئه لا تقول إنما زيد يجيء أو إنما يجيء زيد إلا والسامع متلق كلامك بالقبول وكذا لا تقول " إنما الله إله واحد " ألا ويجب على السامع أن يتلقاه بالقبول، والأصل في إنما أن تستعمل في حكم لا يعوزك تحقيقه إما لأنه في نفس الأمر جلي أو لأنك تدعيه جليا فمن الأول قوله تعالى " إنما أنت منذر من يخشاها " وقوله " إنما يستجيب الذين يسمعون " وقوله " إنما يعجل من يخشى الفوت، وقولك للرجل الذي ترققه على أخيه وتنبهه للذي يجب عليه من صلة الرحم ومن حسن التحفي إنما هو أخوك ولصاحب الشرك " إنما الله إله واحد، ومن الثاني قول الشاعر: وكيت فأنت تقول نعم إن من شأني كيت وكيت والحق في يدك هناك ولكن كيف يقدح في دعواي هاتيك، وعلى هذا ما من موضع يأتي

<<  <   >  >>