فيه النفي والاستثناء إلا والمخاطب عند المتكلم مرتكب للخطأ مع إصرار إما تحقيقا إذا أخرج الكلام على مقتضى الظاهر وإما تقديرا إذا أخرج لا على مقتضى الظاهر كقوله تعالى " وما أنت بمسمع من في القبور إن أنت إلا نذير " لما كان النبي عليه الصلاة والسلام شديد الحرص على هداية الخلق وما كان متمناه شيئاً سوى أن يرجعوا عن الكفر فيملكوا زمام السعادة عاجلا وآجلا، ومتى رآهم لم يؤمنوا تداخله عليه الصلاة والسلام من الوجد والكآبة ما كاد يبخع له حتى قيل له " فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا " ويتساقط عليه الصلاة والسلام حسرات على توليهم وإعراضهم عن الحق، وما كانت شفقته عليهم تدعه يلقي حبلهم على غار بهم ليهيموا في أودية الضلال بل كانت تدعوه عليه الصلاة والسلام أن يرجع على تزيين الإيمان لهم عودة على بدئه عسى أن يسمعوا ويعوا راكباً في ذلك كل صعب وذلول أبرز لذلك في معرض من ظن أنه يملك غرس الإيمان في قلوبهم مع إصرارهم على الكفر فقيل له لست هناك " إن أنت إلا نذير " وقوله عز وعلا " قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء إن أنا إلا نذير وبشير لقوم يؤمنون " مصبوب في هذا القالب. وطريق إنما يسلك مع مخاطب في مقام لا يصر على خطئه أو يجب عليه أن لا يصر على خطئه لا تقول إنما زيد يجيء أو إنما يجيء زيد إلا والسامع متلق كلامك بالقبول وكذا لا تقول " إنما الله إله واحد " ألا ويجب على السامع أن يتلقاه بالقبول، والأصل في إنما أن تستعمل في حكم لا يعوزك تحقيقه إما لأنه في نفس الأمر جلي أو لأنك تدعيه جليا فمن الأول قوله تعالى " إنما أنت منذر من يخشاها " وقوله " إنما يستجيب الذين يسمعون " وقوله " إنما يعجل من يخشى الفوت،