ولا بد مع ذلك من إذن لافتنانات البلاغة مصوغة فما الآفة العظمى والبلية الكبرى لتلك الافتنانات إلا من أصمخة هي لغيرها مخلوقة إذا اتصل بذويها كلام لا ترى به الدر الثمين مسخه جهلهم مسخا يفوقه قيمة المشخلب، ولأمر ما تجد القرآن متفاوت القدر ارتفاعا وانحطاطا بين العلماء في نوعنا هذا وبين الجهلة والجهات المحسنة لاستعمال الخبر في موضع الطلب تكثر تارة تكون قصد التفاؤل بالوقوع كما إذا قيل ذلك في مقام الدعاء أعاذك الله من الشبهة وعصمك من الحيرة ووفقك للتقوى ليتفاءل بلفظ المضي على عدها من الأمور الحاصلة التي حقها الأخبار عنها بأفعال ماضية وأنه نوع مستحسن الاعتبار وقل لي إذا حسن اعتبار ما هو أبعد كإباء الكتاب في حق المخدرات لفظ حراستها وما هو أبعد وأبعد كإباء أهل الظرف إهداء السفرجل على الأحبة لاشتمال اسمه إذا سمي بالعربية على حروف سفرجل فما ظنك بالقريب وهل خلع هارون على كاتبه إذ سأله عن شيء فقال لا وأيد الله أمير المؤمنين إلا لأنه لم يسمع ما عليه الأغبياء فيما بينهم من لا أيدك الله بترك الواو، أو غير هارون حين خرج على ناحية لمطالعة عمارتها وقد تراءت له في طريقه أشجر من بعيد فسأل عنها كاتبا يصحبه فقال الكاتب شجرة الوفاق تفاديا عن لفظ الخلاف فكساه، أفترى ذلك لغير ما نحن فيه؟ أو هل حين غضب الداعي على شاعره أبى مقاتل الضرير حين افتتح:
موعد أحبابك للفرقة
غد أغضبه شيء غير معنى التفاؤل حتى قال له موعد أحبابك يا أعمى ولك المثل السوء وأمر بإخراجه، وهل تسمية العرب الفلاة مفازة والعطشان ناهلاً واللديغ سليماً وما شاكل ذلك إلا من باب التفاؤل، فالمفازة هي المنجاة والناهل هو الريان والسليم هو ذو السلامة وتارة لإظهار الحرص في وقوعه، فالطالب متى تبالغ حرصه فيما