كأن انتصار البدر من تحت غيمه ... نجاء من البأساء بعد وقوع
فإنه لما رأى العادة جارية أن يشبه المتخلص من البأساء بالبدر الذي ينحسر عند الغمام قلب التشبيه ليرى أن صورة النجاء من البأساء لكونها مطلوبة فوق كل مطلوب أعرف عند الإنسان من صورة انتضاء البدر من تحت غيمه فشبه هذه بتلك، وكقوله:
وأرض كأخلاق الكرام قطعتها ... وقد كحل الليل السماك فأبصرا
فإنه لما رأى استمرار وصف الأخلاق بالضيق وبالسعة تعمد تشبيه الأرض الواسعة بخلق الكريم ادعاء أنه في تأدية معنى السعة أكمل من الأرض المتباعدة الأطراف ومن الأمثلة ما يحكيه جل وعلا عن مستحلي الربا من قولهم إنما البيع مثل الربوا في مقام إنما الربا مثل البيع لأن الكلام في الربا لا في البيع ذهابا منهم على جعل الربا في باب الحل أقوى حالاً وأعرف من البيع ومن الأمثلة ما قال تعالى " أفمن يخلق كمن لا يخلق " لمزيد التوبيخ فيه دون أن يقول أفمن لا يخلق كمن يخلق مع اقتضاء المقام بظاهره إياه لكونه إلزاما للذين عبدوا الأوثان وسموها آلهة تشبيها بالله تعالى فقد جعلواً غير الخالق مثل الخالق. وعندي أن الذي تقتضيه البلاغة القرآنية هو أن يكون المراد بمن لا يخلق الحي العالم القادر من الخلق لا الأصنام وأن يكون الإنكار موجها على توهم تشبيه الحي العالم القادر من الخلق به تعالى ونقدس عن ذلك علواً كبيراً تعريضا به عن أبلغ الإنكار لتشبيه ما ليس بحي عالم قادر به تعالى ويكون قول - هـ " أفلا تذكرون " تنبيه وتوبيخ على مكان التعريض، وقوله عز وجل " أرأيت من اتخذ