الآخر تمثيل لما أن وجه التشبيه بينهم وبين المنافقين هو أنهم في المقام المطمع في حصول المطالب ونجح المآرب لا يحظون إلا بضد المطموع فيه من مجرد مقاساة الأهوال وأنه كما ترى مما نحن بصدده وكذا الذي في قوله عز وجل " مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفاراً " فإن وجه التشبيه بين أحبار اليهود الذين كلفوا العمل بما في التوراة ثم لم يعملوا بذلك وبين الحمار الحامل للأسفار هو حرمان الانتفاع بما هو أبلغ شيء بالانتفاع به مع الكد والتعب في استصحابه وليس بمشتبه كونه عائداً على التوهم ومركبا من عدة معان، والذي نحن بصدده من الوصف غير الحقيقي أحوج منظور على التأمل الصادق من ذي بصيرة نافذة وروية ثاقبة لالتباسه في كثير من المواضع بالعقلي الحقيقي لا سيما المعاني التي ينتزع منها فربما انتزع من ثلاثة فأورث الخطأ لوجوب انتزاعه من أكثر نحو قوله:
كما أبرقت قوما عطاشا غمامة ... فلما رأوها أقشعت وتجلت
إذا أخذت تنتزع وجه التمثيل من قوله: كما أبرقت قوما عطاشا غمامة، فحسب نزلت عن غرض الشاعر من تشبيهه بمراحل فإن مغزاه أن يصل ابتداء مطمعاً بانتهاء مؤيس وذلك يوجب انتزاع وجه التشبيه من مجموع البيت، ثم إن التشبيه التمثيلي متى فشا استعماله على سبيل الاستعارة لا غير سمي مثلا ولورود الأمثال على سبيل الاستعارة لا تغير، وسيأتيك الكلام في الاستعارة بإذن الله تعالى.
النوع الرابع النظر في أحوال التشبيه من كونه قريباً أو غريباً مقبولاً أو مردوداً.