والكلام في ذلك يستدعي تقديم أصول وأن أذكر لك ما يرشدك على كيفية سلوك الطريق هناك بتوفيق الله تعالى معدداً عدة منها لتكون لك عدة في درك ما عسى تأخذ في طلبه. منها أن إدراك الشيء مجملا أسهل من إدراكه مفصلا. ومنها أن حضور صورة شيء تتكرر على الحس أقرب من حضور صورة شيء يقل وروده على الحس وحال هذين الأصلين واضح. ومنها أن الشيء مع ما يناسبه أقرب حضورا منه مع ما لا يناسبه فالحمام مع السطل أقرب حضورا منه مع السخل وقد سبق تقريره في باب الفصل والوصل. ومنها أن استحضار الأمر الواحد أيسر من استحضار غير الواحد وحاله أيضا مكشوف. ومنها أن ميل النفس على الحسيات أتم منه على العقليات وأعني بالحسيات ما تجرده منها بناء على امتناع النفس من إدراك الجزئيات على ما نبهت عليه وزيادة ميلها إليها دون غيرها من العقليات لزيادة تعلقها بها بسبب تجريدها إياها بقوة العقل ونظمها لها في سلك ما عداها ولزيادة إلفها بها أيضا لكثرة تأديها إليها من أجل كثرة طرقه وهي الحواس المختلفة المؤدية لها، وأما ما يقال من أن إلف النفس مع الحسيات أتم منه مع العقليات لتقدم إدراك الحس على إدراك العقل فبعد تقرير أن إدراك النفس إنما يكون للمجردات وأن مدرك النفس غير مدرك الحس شيء كما ترى عن إفادة المطلوب بمعزل وعن تحقيق المقصود بألف منزل. ومنها أن النفس لما تعرف أقبل منها لما لا تعرف لمحبتها العلم طبعاً. ومنها أن تجدد صورة عندها أحب إليها وألذ عندها من مشاهدة معاد وأنه من القبول بحيث يغني أن يستعان فيه بتلاوة أكره من معاد ولكل جديد لذة، ولعمري إن التوفيق بين حكم الإلف وبين حكم التكرير أحوج شيء على التأمل فليفعل لأن الإلف مع