بالإثبات وليس من واجبات هذا المجاز أن يكون مكان الحكم الأصلي فيه معلوما بنفس العقل كما في أنبت الربيع البقل، بل إن استعان في علمه بذلك بأمر غير الوضع كما في هزم الأمير الجند وكسا الخليفة الكعبة جاز ولم يخرجه عن كونه عقليا لكن الأليق إطلاق اسم العقلي على الأول واسم الحكمي والإثباتي على الثاني.
واعلم أن هذا المجاز لرجوعه على الحكم واستدعاء الحكم محكوما به ومحكوما له واحتمال كل واحد منهما الحقيقة الوضعية والمجاز الوضعي لا يزال يتردد بين أربع صور لا مزيد عليهن إما أن يكون المحكوم به والمحكوم له حقيقتين وضعيتين، وإما أن يكونا مجازين وضعيين، وإما أن يكون المحكوم به حقيقة وضعية والمحكوم له مجازا وضعيا، وإما بالعكس من هذا، مثال الأولى قولك أنبت الربيع البقل وشفى الطبيب المريض وكسا الخليفة الكعبة وهزم الأمير الجند، فالمحكوم له وهو الربيع والطبيب والخليفة والأمير كل منها حقيقة وضعية مستعملة في مكانها الوضعي، والمحكوم به وهو إنبات البقل وشفاء المريض وكسوة الكعبة وهزم الجند كل من ذلك حقيقة أيضا وضعية مستعملة في مكانها الوضعي لا مجازا لا في مجرد الحكم كما ترى، ومثال الثانية قولك أحيا الأرض شباب الزمان، وسر الكعبة البحر الفياض المحكوم له وهو شباب الزمان والبحر الفياض مجازان وضعيان، والمحكوم به وهو إحياء الأرض ومسرة الكعبة مجازان أيضا وضعيان ونفس الحكم في المثالين مجاز عقلي،