للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تشكيكا لنا أوجب مثله لكم فيصار في دفع القدح على أنه تمسك منكم بالدليل وأنه تناقض، وإنما أخرت هذا ولك أن تقدمه ليقرع سمعك ما قد سبقه، ومن ذلك أن الاكتساب بالدليل إن قيل به لزم في كل من هو عاقل جمال أو حمال أو نظيرهما إذا نظروا أن يحصل لهم من العلوم العقلية ما قد تفرد به الأفراد لكون النظر في نفسه ممكنا وإلا لزم الجبر وكون أجزاء الدليل في ذهن كل أحد لامتناع القول باكتسابها على ما سبق في باب الحد وكون صحة تركيب الدليل وفساده غير مكتسبين تفاديا عن المحذورين الدور والتسلسل وكون الصادر علما مستغنيا عن الاكتساب للتفادي عن المحذورين، ثم إن هذا اللازم معلوم الانتفاء لكل منصف ذي بصيرة فيقال إن سلم لكم ما ذكرتموه في توجيه ما ألزمتم فهو ألزم لكما فيما إذا كانت العلوم عن آخرها مبرأة عن الاكتساب

وهذا النوع الذي قد أردنا التنبيه عليه هو فوائد لئن أخذنا بك في شعبها وأنها لربما ضربت بعروقها على علوم لست من عالمها لتهيمن في أودية الحيرة خاسرا أكثر مما كنت قد ربحت فالرأي الرصين الترك عن آخرها، ولنتكلم في فصل كنا أخرناه لهذا الموضع وهو بيان حال المستثنى منه في كونه حقيقة أو مجازا فنقول: أن أصحابنا في علم النحو حيث يصفون الاستثناء بأنه إخراج الشيء عن حكم دخل فيه غيره ويعنون أن ذلك الإخراج يكون بكلمات مخصوصة يعينونها وإنك لتعلم أن إخراج ما ليس بداخل غير صحيح فيظهر لك من هذا أن حق المستثنى عندهم كونه داخلا في حكم المستثنى منه وأن قولهم لفلان علي عشرة دراهم إلا واحداً يستدعي دخول الواحد في حكم العشرة قبل إلا لكن دخول الواحد في حكم العشرة متى قدر من قبل المتكلم ناقض آخر الكلام أوله كما يشهد له الحال، وقد سبق الكلام في التناقض فيلزم تقديره من قبل السامع وأن يكون استعمال المتكلم لعشرة مجازا في التسعة وأن يكون إلا واحداً قرينة المجاز ويفرع على اعتبار الدخول كون الاستثناء متصلا مثل جاءني إخوتك إلا الأكبر أو قومك إلا منهم أصلا دون كونه منقطعا مثل جاءني القوم إلا حمارا وكون كون دخول المستثنى في حكم المستثنى منه واجبا مثل ما سبق أصلا دون مالا يكون واجبا مثل قولك اضرب قوما إلا عمراً إذ لا يخفى أن دخول عمرو في حكم الضرب لا يجب وجوب دخول الواحد في العشرة أو الأكبر أو زيد في إخوتك وقومك ويفرع على اعتبار المجاز كون كون المستثنى أقل من المستثنى منه الباقي بعد الاستثناء مثل الأمثلة المذكورة أصلا نحو لفلان عليّ عشرة إلا تسعة لكون الدخول الذي هو سبب الاستثناء مراعي في الأول وكون الدخول المراعي مع الوجوب أظهر منه عند عدم الوجوب في الثاني وكون تنزيل الأكثر منزلة الكل الذي هو الطريق على المجاز فيما نحن فيه أدخل في المناسبة من تنزيل الأقل منزلة الكل في الثالث. وأما المصير على فروع هذه الأصول عند البلغاء، فمن باب الإخراج لا على مقتضى الظاهر بتنزيلها منزلة أصولها بوساطة جهة البلاغة. قال تعالى " وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس " ما لهم به من علم إلا اتباع الظن " بناء على التغليب فيهما. وقال تعالى " يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلي سليم " بتقدير حذف المضاف، وهو إلا سلامة من أتى الله مدلولا عليه بقرائن الكلام منزلة السلامة المضافة منزلة المال والبنين بطريق قولهم عتاب فلان السيف وأنيسه الأصداء، وقوله: وأعتبوا بالصيلم ولك أن تحمل قوله " يوم لا ينفع مال ولا بنون " على معنى لا ينفع شيء ما حمل قولك لاينفع زيد ولا عمرو على معنى لا ينفع إنسان ما ويكون من منصوب المحل. وقال القائل: ذا النوع الذي قد أردنا التنبيه عليه هو فوائد لئن أخذنا بك في شعبها وأنها لربما ضربت بعروقها على علوم لست من عالمها لتهيمن في أودية الحيرة خاسرا أكثر مما كنت قد ربحت فالرأي الرصين الترك عن آخرها، ولنتكلم في فصل كنا أخرناه لهذا الموضع وهو بيان حال المستثنى منه في كونه حقيقة أو مجازا فنقول: أن أصحابنا في علم النحو حيث يصفون الاستثناء بأنه إخراج الشيء عن حكم دخل فيه غيره ويعنون أن ذلك الإخراج يكون بكلمات مخصوصة يعينونها وإنك لتعلم أن إخراج ما ليس بداخل غير صحيح فيظهر لك من هذا أن حق المستثنى عندهم كونه داخلا في حكم المستثنى منه وأن قولهم لفلان علي عشرة دراهم إلا واحداً يستدعي دخول الواحد في حكم العشرة قبل إلا لكن دخول الواحد في حكم

<<  <   >  >>