وأما تقديم ما يقدم من البحور في الدوائر فالطويل نظرا على أركان الأفاعيل المبدوء بها وأعني بالأركان الأسباب والأوتاد والفواصل يقدم على أخويه لكون ركنه الأول وهو فعو أتم من ركني أخويه وهما فاومس والهزج أيضا يقدم على أخويه لذلك، وأما الكامل فإنما يؤخر عن الوافر لأن صحة إضماره يبرزه في معرض ماركنه الأول سبب خفيف حكماً وصحة إجراء الخبن عليه منبه على ذلك، وكذا امتناعه عن الخرم امتناع ما أوله سبب خفيف على الرأي الصواب ولا يقف على هذا إلا النحوي المتقن حيث لا يبنى على السكون الضمير في غلامك أو التصريفي الماهر حيث لا يجوز الإلحاق بالألف في حشو الكلمة أو صاحب الطبع المستقيم في باب الاستدلال أو غيره ممن يفهم باب قولنا امتنع كذا لأدائه على الممتنع حكماً، وقولي على الرأي الصواب احتراز عن رأى من يجوز الخرم في مخبون مستفعلن مستشهدا بقوله:
هل جديد على الأيام من باق ... أم هل لما لا يقيه الله من واق
وأما تقديم السريع فلأن دائرته تضمنت وتدا مفروقا بخلاف سائر الدوائر وارتكاب المخالف لا يصار إليه إلا لعذر وأنه في السريع أكمل منه في غيره لأن أركان السريع ممتنع أن تؤلف على وجه من الوجوه تأليفا يخرج الوتد المفروق عن كونه مفروقا على كونه مجموعا أو سببا خفيفا بخلاف ما سواه فتأمله فيلزم تقديم السريع، وأما استدعاء المضارع فيها للتقدم بجهة ركنه الأول أتم فضعف للزوم النقصان له في الأجزاء حين لا يستعمل إلا مجزوا مراقبا.