للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

مجلس آخر أملي يوم السبت الرابع والعشرين من رجب سنة [سبع و] أربعين وخمسمائة قال:

[ومن التابعين ومن بعدهم من هذا النوع رواية عطاء الخراساني عن الزهري عن سعيد بن المسيب]

٢٩- أخبرنا أبو غالب أحمد بن العباس الكوشيذي رحمه الله في محرم سنة خمس وخمسمائة، أنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن ريذة، أنا أبو القاسم سليمان بن أحمد بن ⦗٣٤⦘ أيوب الطبراني الحافظ، ثنا عبد الله بن سليمان الحرملي الأنطاكي، ثنا يعقوب بن كعب الحلبي، ثنا كلثوم بن محمد بن أبي منده، عن عطاء الخراساني، عن محمد بن مسلم الزهري، عن عروة بن الزبير، وعبيد الله، وسعيد بن المسيب، وعلقمة بن وقاص، عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج إلى سفر أقرع بين نسائه، فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه، قالت: فأقرع بيننا في غزوة غزاها فخرج سهمي، فخرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك بعد ما أنزل الحجاب، فأنا أحمل في هودج وأنزل فيه، حتى إذا قفل رسول الله صلى الله عليه وسلم ودنا من المدينة أذن بالرحيل، فقمت حين آذن بالرحيل فمشيت حتى إذا جاوزت الجيش لقضاء حاجتي فلمست صدري فإذا عقد لي من أظفار قد انقطع، فرجعت ألتمسه، وحبسني ابتغاؤه، وأقبل الرهط الذين كانوا يحملون هودجي فرحلوه على بعيري وهم يحسبون أني فيه. وكن النساء إذ ذاك خفافاً لم يهبلن، وإنما كنا نأكل العلقة من الطعام، وكنت جارية حديثة السن فلم يستنكر القوم ثقل الهودج حين رحلوه على بعيري، فساروا فجئت المنزل وليس به منهم داع ولا مجيب، فيممت منزلي الذي كنت فيه، وظننت أنهم سيرجعون في طلبي، قالت: فبينما أنا قاعدة إذا غلبتني عيني فنمت، وكان صفوان بن المعطل السلمي ثم الذكواني رضي الله عنه من وراء الجيش، فأدلج فأصبح في المنزل فرأى سواد إنسان نائم، فعرفني؛ وقد كان رآني قبل أن ينزل الحجاب، فاستيقظت باسترجاعه فخمرت بجلبابي وجهي، والله ما كلمته، ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه، حتى أناخ بعيره فركبته، فأتينا الناس في بحر الظهيرة، فهلك من هلك، وكان الذي تولى كبره منهم عبد الله بن أبي [بن] سلول، قالت: فسرنا حتى قدمنا المدينة، فاشتكيت شهراً لا أشعر بما قالوا، وهو يريبني من رسول الله صلى الله عليه وسلم أني لا أعرف منه اللطف الذي كنت أرى منه إنما يدخل علي يقول: ((كيف تيكم؟)) ، ولا يزيد على ذلك حتى خرجت قبل المناصع وخرجت معي أم مسطح، وكنا لا نخرج إلا ليلاً إلى ليل، وكنا نتأذى بالكنف أن نتخذها قريباً من بيوتنا، فأمرنا أمر العرب الأول، فلما انصرفنا عثرت أم مسطح في مرطها أو بمرطها فقالت: تعس مسطح، فقلت لها: ⦗٣٥⦘ بئس ما قلت؛ أتسبين رجلاً شهد بدراً؟ قالت: وما علمت ما قال؟ (قلت: وما قال؟) فأخبرتني بقول أهل الإفك فزادني مرضاً على ما كان، قالت: وكانت أم مسطح بنت صخر ابن عامر خالة أبي بكر الصديق رضي الله عنهما، وكان ابنها مسطح بن أثاثة بن عباد بن المطلب بن عبد مناف، قالت عائشة رضي الله عنها: فبكيت ليلتين ويوماً حتى ظننت أن البكاء فالق كبدي، قال: فلما استلبث رسول الله صلى الله عليه وسلم الوحي دعا أسامة بن زيد وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما، يستشيرهما في فراق أهله، فقال أسامة بن زيد: يا رسول الله أهلك وما علمنا إلا خيراً، وقال علي: لم يضيق الله عليك والنساء كثير [سواها] فإن تسل الجارية تصدقك، قالت: فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بريرة فقال: ((يا بريرة هل رأيت عن عائشة شيئاً تكرهينه؟)) قالت: لا والذي بعثك بالحق ما رأيت عليها أمراً أغمضه عليها أكثر من أنها جارية حديثة السن تنام عن عجين أهلها فتدخل الداجن فتأكله، قالت: وقد كانت امرأة أبي أيوب قالت لأبي أيوب رضي الله عنهما: أما سمعت ما تحدث الناس، فحدثته بقول أهل الإفك، فقال: سبحانك ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ((يا معشر المسلمين من يعذرني من رجل قد بلغ أذاه في أهلي، والله ما علمت على أهلي إلا خيراً، ولقد ذكروا رجلاً صالحاً ما كان يدخل على أهلي إلا معي)) ، فقام سعد بن معاذ رضي الله عنه فقال: أنا أعذرك منه يا رسول الله، إن كان من الأوس ضربنا عنقه، وإن كان من إخواننا من الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك فيه، فقام سعد بن عبادة رضي الله عنه، وكان قبل ذلك رجلاً صالحاً ولكن احتملته الحمية، فقال لسعد بن معاذ: كذبت لعمر الله لا تقدر على قتله، فقدم أسيد بن حضير رضي الله عنه -وهو ابن عم سعد بن معاذ- فقال لسعد بن عبادة: كذبت لعمر الله لنقتلنه فإنك منافق تجادل عن المنافقين، فتناور الحيان حتى هموا أن يقتتلوا، فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى حجز بينهم، قالت: فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم علي وعندي أبواي وقد كانت امرأة من الأنصار دخلت علي فهي تساعدني، قالت: فجلس ولم يجلس عندي منذ قيل لي ما قيل، فقال: ((أما بعد يا عائشة، فإنه قد بلغني عنك كذا وكذا، فإن كنت بريئة فسيبرئك الله عز وجل ببراءتك، وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله عز وجل وتوبي إليه)) قالت: فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالته فاض دمعي حتى ما أحس منه قطرة، فقلت لأبي: أجب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما قال. فقال: والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم. فقلت لأمي: أجيبي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما قال، فقالت أمي: وما أدري ما أقول لرسول ⦗٣٦⦘ الله صلى الله عليه وسلم، قالت: وكنت جارية حديثة السن [لم] أقرأ كبيراً من القرآن، فقلت: والله لئن اعترفت لكم بأمر، والله عز وجل يعلم أني بريئة منه لتصدقنني، ولئن قلت: إني بريئة لا تصدقوني، والله ما أجد لي ولكم مثلاً إلا ما قال أبو يوسف: {فصبرٌ جميل والله المستعان على ما تصفون} ، قالت: ثم تحولت والله –يعني- يعلم أني بريئة، ولشأني كان أصغر في نفسي من أن ((ينزل في قرآناً)) ، قالت: ولكني كنت أرجو أن يري الله رسوله صلى الله عليه وسلم في منامه رؤيا يبرئني فيها، قالت: فوالله ما رام رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلسه، ولا خرج أحد من أهل البيت حتى أخذته البرحاء قالت: وكان إذا أوحي [إليه] أخذته البرحاء حتى إنه لينحدر منه مثل الجمان من العرق في اليوم الشاتي، قالت: فسري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سري عنه، فكان أول كلمة تكلم بها قال: ((أما الله عز وجل فقد برأك [يا] عائشة)) فقالت لي أمي: قومي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقلت: والله لا أقوم إليه ولا أحمد على ذلك إلا الله، فأنزل الله جل ذكره: {إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم} إلى قوله: {سميع عليم} ، وكان أبو بكر الصديق رضي الله عنه ينفق على مسطح لفاقته وقرابته، فلما تكلم بما تكلم به قال: والله لا أنفق عليه شيئاً أبداً. فأنزل الله عز وجل: {ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة} إلى قوله تعالى: { [ألا تحبون] أن يغفر الله لكم} ، فقال أبو بكر رضي الله عنه: بلى أنا أحب أن يغفر الله تعالى لي، فرجع إلى مسطح رضي الله عنه مثل ما كان ينفق عليه، وسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش رضي الله عنها قالت: وكانت هي التي تساميني من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، فسألها رسول الله صلى الله عليه وسلم عني، فعصمها الله تعالى بالورع، فقالت: أحمي سمعي وبصري، ما رأيت عليها شيئاً يريبني، وكانت أخت زينب حمنة تحاربني فهلكت فيمن هلك.

هذا حديث صحيح من حديث الزهري مشهور من حديث عطاء الخراساني عنه، رواه عنه غير واحد، غير أن بعضهم أسنده إلى الزهري عن عروة وحده، وبعضهم قال عن عروة وعلقمة، ورواه شعيب بن رزيق أبو شيبة، عن عطاء، فجمع إليهما سعيد بن المسيب في إسناده أيضاً.

آخر المجلس وصلى الله على سيدنا محمد وآله.

<<  <   >  >>