كذلك علة طهارة سؤر الهرة معلومة بالنص، حيث قال - صلى الله عليه وسلم -: " إنها ليست بنجس إنها من الطوافين عليكم والطوافات "، ولكن المجتهد يتأكد من وجودها في الفرع كالفأرة ونحوها.
أما تنقيح المناط فهو: ما سبق بيانه، ووظيفة المجتهد هنا أصعب من وظيفته في تحقيق المناط؛ حيث إنه يبذل جهداً في إبراز علة حكم الأصل وتعيينها، ثم يجتهد مرة أخرى في تحققها في الفرع.
أما تخريج المناط فهو: أن ينص الشارع على حكم في محل، ولا يتعرض لمناطه وعلته لا صراحة ولا إيماء، فوظيفة المجتهد هنا أصعب من السابقين؛ حيث إن المجتهد يقوم باستنباط العلل التي يمكن أن يُعلل بها الحكم، ويختبرها، ثم يرجح أحدها، ثم يتحقق من وجودها في الفرع، مثل قولنا: إن علة تحريم الخمر هي الإسكار، فقسنا عليه النبيذ، وقولنا: إن علة تحريم الربا في البر هي: الاقتيات، فقسنا عليه الأرز وهكذا، وهذا هو القياس الخفي الذي اختلف العلماء فيه.
المسلك الثامن: الدوران، وهو: أن يوجد الحكم عند وجود الوصف، وينعدم عند انعدامه، مثل: دوران حكم العصير مع وجود الإسكار وعدمِ وجوده؛ حيث إن عصير العنب قبل وجود الإسكار كان حلالا، فلما حدث الإسكار حرم، فلما زال الإسكار وصار خلاً صار حلالاً، فهنا بأن لك: أن الحكم - وهو التحريم - قد دار مع الإسكار وجوداً وعدماً، فكما وجد وصف كونه مسكراً وجد الحكم وهو: التحريم، ولما انتفى عنه وصف الإسكار انتفى عنه الحكم، وهو: التحريم، فهذا الدوران دلنا