وأول ما يدل على ذلك هذا التعبير أُنْزِلَ الذي تواترت به الأحاديث فإنه يدل على أنه نزل به الوحي.
ويدل على ذلك أيضا دلائل كثيرة في نصوص الأحاديث، مما يدل على أن المعيار في قبول الحرف أو رده ليس هو عدم ألفته من السامع، ولا كونه لهجة غير مألوفة له، إنما الأساس في الموضوع كله هو السماع والتلقي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو عدم التلقي عنه.
ومما يدل على بطلان تفويض القراءة للقارئ بما يختاره من تلقاء نفسه أن ذلك يؤدي إلى ذهاب إعجاز القرآن وتعريضه لأن يبدّل، وذلك خلاف قوله تعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ.
ثم إن التغيير والتبديل بمرادف أو بغير مرادف مرفوض بقوله تعالى في سورة يونس: قالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ، قُلْ ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ. فإذا كان هذا ليس من حق النبي نفسه صلى الله عليه وسلم، فكيف يسوّغ ذلك في حق أحد من الناس؟ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث السابق «هكذا أنزلت».
٣ - تثبت عبارات الأحاديث المفصلة الواردة في الأحرف السبعة أصلا هاما يجب أن لا يغيب عن بال الباحث في تفسير الأحرف السبعة، وهو أنها وجوه في أداء الألفاظ فقط، أي كيفيات في القراءة، وجه الدلالة على ذلك أن الخلاف بين الصحابة في القراءة إنما وقع حول قراءة الألفاظ، ولم يكن اختلاف في تفسير المعاني، أنظر إلى قول عمر بن الخطاب:«فإذا هو يقرأ على حروف كثيرة لم يقرئنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم»، وهكذا سائر العبارات تشير إلى أن القضية كانت تدور حول كيفية قراءة الألفاظ، لا تفسير المعاني.
[الأحرف السبعة والقراءات السبع]
دلتنا النصوص التي درسناها ومحصنا دلالاتها على أن المراد بالأحرف