غير أنا نرى أن هذا الأثر ليس صالحا للاستدلال لهذا المذهب لأن ابن مسعود لم يقصد وضع ضابط وتعريف للمكي والمدني، إنما أراد بيان علامة من علامات القرآن المكي والمدني، أو تفسيرا لبيان المراد بهذا الخطاب، وهو أمر أغلبي ليس مضطردا دائما كما سيتضح.
وهذا المذهب في تفسير المكي والمدني أضيق من المذهب السابق، لأنه قد تقيد بالأشخاص المعينين في أمكنة معينة، وتقيد بموضوع معين هو ما كان فيه خطاب من آيات القرآن، فبقي القسم الأكبر من القرآن خارج هذا المنهج في تعريف المكي والمدني.
ولهذا الذي ذكرناه في نقد المذهبين الثاني والثالث، كان المذهب الأول أكثر قبولا لدى العلماء، حتى كان هو الأشهر كما ذكرنا.
ويندرج في ضمن المكي والمدني بناء على المذهب الأشهر المعتمد أنواع كثيرة من الدراسات المتصلة بالظروف المحيطة بنزول القرآن كالسفري والحضري، والليلي والنهاري، وما حمل من مكة إلى المدينة، وما حمل من المدينة إلى مكة، وما نزل بالمدينة وحكمه مكي، وما نزل بمكة وحكمه مدني، وغير ذلك من دراسات تدل على الاعتناء العجيب الذي أحيط به هذا القرآن، وتوفير وسائل دراسته من جميع الجهات.
وبناء على هذا الضابط المختار كان عدد السور المدنية تسعا وعشرين سورة، وسائر السور بعد ذلك مكية، وقد يوجد في السورة المدنية ما هو مكي، كما قد يوجد في السورة المكية ما هو مدني، والنظر في ذلك لمطلع السورة إن نزل بمكة عدّت مكية، وإن نزل بالمدينة عدّت مدنية.
[أهمية علم المكي والمدني]
مما لا يخفى على الباحث أهمية معرفة الأحوال التي احتفت بنزول القرآن في فهمه وتفسيره، حتى صرحوا بأنه لا يحل لمن ابتعد عن علمها أن يتكلم في تفسير القرآن الكريم، ونوضح أوجه أهمية هذا العلم فيما يلي: