كان الثعالبي من كبار العلماء العاملين ورعا زاهدا: معرضا عن الدنيا وكان إماما علّامة مصنفا، صنّف كتبا كثيرة نافعة منها:«الجواهر الحسان في تفسير القرآن» الذي نحن بصدده.
[طريقة الثعالبي في تفسيره]
نستطيع أن نعتبر تفسير الثعالبي صفوة منتخبة ومستخلصة من مصادر كثيرة في هذا الفن، وقد ذكر في ديباجة هذا التفسير أنه جمعه من كتب الأئمة، وثقات أعلام هذه الأمة، وذلك قريب من مائة تأليف، ما فيها تأليف إلا وهو لإمام مشهور بالدين ومعدود في المحققين.
وقد اشتمل الكتاب بهذا على فوائد هامة نظرا لنقوله الكثيرة عن مصادر مفقودة، كما أنه يمتاز بوضوح العبارة وسلاسة الأسلوب، مع احتياطه في شأن الاسرائيليات.
وهذا مثال منه من تفسيره لبعض قصار السور وهي سورة قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ.
قال الثعالبي ما نصه:«روي في سبب نزول هذه السورة عن ابن عباس وغيره أن جماعة من صناديد قريش قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: دع ما أنت فيه ونحن نمولك ونملكك علينا، وإن لم تفعل هذا فلتعبد آلهتنا، ونعبد إلهك حتى نشترك، فحيث كان الخير نلناه جميعا.
وروى أن هذه الجماعة المذكورة هم: الوليد بن المغيرة، والعاصي بن وائل، وأمية بن خلف، وأبيّ بن خلف، وأبو جهل وأبناء الحجاج، ونظراؤهم ممن لم يكتب له الإسلام وحتم بشقاوته. فأخبرهم النبي صلى الله عليه وسلم عن أمر الله عز وجل أنه لا يعبد ما يعبدون وأنهم غير عابدي ما يعبد. ولما كان قوله: لا أعبد، محتملا أن يراد به الآن ويبقى المستأنف منتظرا ما يكون فيه من عبادته «جاء البيان بقوله: وَلا أَنا عابِدٌ ما عَبَدْتُّمْ أي أبدا» ثم جاء قوله: وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ الثاني حتما عليهم أنهم لا يؤمنون به أبدا، كالذي كشف الغيب ... إلى آخر ما ذكر.