العلماء أنه صلّى الله عليه وسلم رأى ربه عزّ وجلّ ليلة المعراج كيف يتفق مع قوله: وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ وليس هاهنا حجاب؟
إلا أن هذا الإشكال في الحقيقة غير وارد هنا إذا ما علمنا أن الوحي الإلهي في هذه المرتبة لا يشبه خطاب الخلق، بل هو داخل في قوله إلا وحيا، لأن الوحي إعلام في خفاء، وقد أبان الإمام المفسر البيضاوي عن ذلك في تفسيره لهذه الآية وهو يفسر إِلَّا وَحْياً:«كلاما خفيا يدرك بسرعة، لأنه تمثيل، ليس في ذاته مركبا من حروف مقطعة يتوقف على تموجات متعاقبة»، فأزاح بذلك شبهة خروج هذه المرتبة عن حد الآية الكريمة.
[مظاهر الوحي]
والوحي في أي مرتبة من مراتبه أمر عظيم يقتضي من الإنسان أن يتجاوز حدود المادة وعالم الشهادة ليتصل بالملائكة وعالم الغيب، وذلك يقتضي من صاحبه استعدادا يهيئه الله تعالى في أولئك الأخيار الذين اصطفاهم من خلقه لهذه المنزلة، وكثيرا ما كان يحدث للنبي صلّى الله عليه وسلم مشقة شديدة في التلقي من الملك. قالت عائشة رضي الله عنها: إن الحارث بن هشام سأل رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله كيف يأتيك الوحي؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم:«أحيانا يأتيني مثل صلصلة الجرس وهو أشدّه عليّ، فيفصم عني وقد وعيت عنه ما قال، وأحيانا يتمثّل لي الملك رجلا فيكلّمني فأعي ما يقول». قالت عائشة رضي الله عنها:«ولقد رأيته ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد فيفصم عنه وإنّ جبينه ليتفصّد عرقا»(١).
ومن آثار الوحي ومظاهره على النبي صلّى الله عليه وسلّم ما وردت به هذه الأحاديث:
١ - ما ذكر في حديث السيدة عائشة الذي رويناه سابقا.
(١) متفق عليه: البخاري في مطلع صحيحه ص ٢ - ٣ ومسلم في الفضائل (باب عرق النبي صلّى الله عليه وسلم ... ) ج ٧ ص ٨٢.