ولما أكرهه أصحابه المشركون على أن يقول قولا ينصر آلهتهم ويرضيهم لم يتمكن من إخفاء الصراع الذي في نفسه، فاستمهلهم وقتا ليفكّر، ثم خرج ليقول: إن القرآن سحر يؤثر يأخذه محمد من بعض العالمين بالسحر.
فأنزل الله تعالى فيه: ... إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ. فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ. ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ. ثُمَّ نَظَرَ. ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ. ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ. فَقالَ إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ ...
فتأمل هذه الآيات كيف صورت صراعه النفسي، وتكلفه الشديد ذلك التصوير المعبّر الموحي، الذي صار مثلا يضرب في الجهد العظيم، الذي يخرج بعده صاحبه بالقول الباطل العقيم.
[القرآن المدني من حيث الأسلوب]
[ومن سمات أسلوب القرآن المدني]
١ - طول أكثر السور والآيات، كما هو واضح ظاهر من سورة البقرة وآل عمران مثلا.
٢ - أنها غالبا ما تسلك سبيل الهدوء، واللين في أسلوبها، واسترسال فواصلها.
والحكمة في اختيار هذا الأسلوب اشتمال القرآن المدني على الموضوعات السابقة، وهي تقتضي البسط والإسهاب، كما أن الخطاب في المدينة توجّه في أكثره للمؤمنين وذلك يناسب الهدوء واللين.
[مناقشة المستشرقين حول المكي والمدني]
ومن ذلك نتبين فساد ما توهمه بعض المستشرقين، ومن تبعهم من ببغاوات تتلمذت عليهم من أبنائنا من توهم أو تصور ما زعم من تأثر القرآن بالبيئة، وأن القرآن لما كان في مكة بين الأميين جاءت سور المكي وآياته قصيرة، ولما وجد في المدينة بين مثقفين مستنيرين جاءت سور المدني وآياته طويلة، وجاء القرآن المكي لذلك خلوا من التشريع والأحكام، بينما القسم