على الرغم من إجماع العلماء على إعجاز القرآن، وأن إعجازه وصف ثابت له، فقد شذّ بعض المتكلمين وهو أبو إسحاق النظّام من المعتزلة، ونحى في هذه المسألة منحى انفرد به دون أهل العلم قاطبة، وعرف رأيه بينهم ب «الصّرفة».
وقد فسر النظام إعجاز القرآن بهذا وقال يشرح رأيه:«إن الله ما أنزل القرآن ليكون حجة على النبوة، بل هو كسائر الكتب المنزلة لبيان الأحكام من الحلال والحرام، والعرب إنما لم يعارضوه لأن الله تعالى صرفهم عن ذلك، وسلب علومهم به».
وقد جرّ النظّام لهذا القول بعده عن معاناة أساليب البيان وانشغاله بالأساليب الفلسفية، مما أدى إلى وقوعه في هذا الخلط في تفسير إعجاز القرآن.
وجدير بالذكر أن هذا القول لا يدخل فيه عنصر الطعن في القرآن، ولا كان في قصد صاحبه ما يحوم حول ذلك، لأنه يعترف ويشهد بأنه من عند الله تعالى، إلا أنه شذّ في تفسير إعجاز القرآن، وحسب القارئ هنا أن أحدا من علماء البيان لم يوافقه على ذلك، حتى المعتزلة أنفسهم ومنهم تلميذه الجاحظ، الذي عني برد هذا الرأي وجلاء إعجاز نظم القرآن حتى كان- أي الجاحظ- أول من يبلغنا عنه هذا التعبير «نظم القرآن».
والحقيقة أن هذا الرأي من الضعف بحيث يغني شرحه عن تكلف الردّ عليه، ولولا ترداده على ألسنة بعض المتحذلقين في هذا العصر لما عرضنا له بشيء لمصادمته بدهيات الدلالة من القرآن والإجماع والعقل والواقع، كما أوضحه العلماء.