وأما دلالة العقل فلأن تعيين المراد من هذه المتشابهات إنما يكون بتأويل نتبع فيه قواعد اللغة وأسلوب العرب، وهي لا تفيد العلم اليقيني القاطع، بل قد تحتمل أكثر من وجه، وصفات الله تعالى من العقائد لا بد فيها من اليقين، لذلك نتوقف، ونفوض إلى الله تعالى.
ومن هنا قالوا: الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى المراد معنى يليق بجلاله تعالى لا يشبه صفاتنا، الله أعلم بحقيقته، وكذلك يقولون في غير ذلك.
[المذهب الثاني: مذهب الخلف]
وهو تأويل هذه الآيات بما يناسب استعمالات اللغة مما يليق بكمال الله تعالى وتقدسه.
فيفسرون: الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى بأن المراد: استولى مثلا ويَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ بمعنى القدرة، وهكذا ...
ودليلهم أنه لما استحال أن يكون المعنى الظاهري مرادا، كان دليلا على أن المراد هو معنى مجازي، فنفسره وفق ما يفسر به كلام العرب، لأن القرآن عربي كما صرح القرآن بذلك في مواضع كثيرة فيجب الاعتماد على منهج فهم كلام العرب.
وبالنظر في حقيقة الأمر نجد بين المذهبين اتفاقا في جوهر المسألة وأساسها، وهو:
١ - الاعتماد فيها على الآيات المحكمات، التي سماها الله تعالى أُمُّ الْكِتابِ أي الأصل والمرجع وهي قاطعة في تنزيه الله عن مشابهة الخلق.
٢ - صرف هذه النصوص عن ظواهر ألفاظها اللغوية المستحيلة، واعتقاد أن هذه الظواهر الموهمة للتشبيه غير مرادة قطعا، فالفريقان إذن متفقان في جوهر القضية، غاية الأمر أن السلف اكتفوا بالإجمال، وهو اعتقاد التنزيه عن هذه الظواهر، لكن دون تعيين التأويل المراد، أما الخلف فقد خطوا خطوة