وقيل: إن هذه الحروف جاءت ليدل كل حرف منها على اسم من أسمائه تعالى، أو أنها لو وصلت صارت اسما من أسماء الله تعالى. وهما منقولان عن ابن عباس. فقد ورد عنه أنه قال: الم: «أنا الله أعلم». وقيل: إن الألف من «الله»، واللام من «لطيف»، والميم من «مجيد».
ومثال وصلها ببعضها ما ورد عن ابن عباس:«الر» و «حم» و «ن» هي الرحمن.
واستشهدوا لهذا بأن العرب قد تستعمل الحرف تريد به الكلمة، كقول الشاعر:
فقلت لها قفي ... فقالت ق.
أي وقفت.
والذي يترجح عندنا من هذه الأقوال وغيرها هو المذهب الأول، وذلك لما ذكرنا من الأدلة، ولأنه أقرب المذاهب لاستعمال العرب، وإفادة الكلام.
أما الرأي الثاني الذي يجعلها إشارة فقط إلى إعجاز القرآن، لأن القرآن مؤلف من هذه الحروف وغيرها، وكلامكم هو كذلك، وحيث عجزتم عن الإتيان بمثله فقد ثبت أنه كلام الله، فهذا الرأي له مؤيدات كثيرة.
منها: أن عدد السور التي افتتحت بحروف التهجي تسع وعشرون، وهو عدد حروف الهجاء إذا جعلنا الهمزة والألف حرفين، وعدد الحروف الواردة فيها هو/ ١٤/ أي نصف الحروف، وأنها جاءت على نظام تركيب الكلمة عند العرب، منها ما هو حرف واحد، ومنها اثنان، وثلاثة، وأربعة، وخمسة.
ومن أقوى ما يؤيّد به هذا الرأي أن عادة القرآن أن يذكر بعد هذه الافتتاحيات القرآن وعظمته، إلا مواضع قليلة هي ثلاثة.
لكنه بعد ما فسّر الرأي الأول بأن هذه الفواتح أسماء للسور سمّيت بها إشارة للإعجاز فقد أصبح الرأي الأول يتضمن هذا الثاني، وهو بذلك أقرب منه، لما فيه من إفادة معنى مراد، ليس مجرّد الرمز والإشارة.