للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأعلى، ثم تخاصم إبليس في شأن آدم، ثم في شأن بنيه وإغوائهم ... » (١).

وهكذا نخلص بعد هذه الدراسة إلى أن حروف الهجاء الواقعة في فواتح السور لها شأن عظيم: افتتحت بها تسع وعشرون سورة، وهو أكبر عدد بالنسبة لغيره من فواتح السور الأخرى، وكل هذه السور مكية عدا البقرة وآل عمران، وقد اشتملت السور التي افتتحت بهذه الحروف على بيان عظمة القرآن


(١) وأما إخضاع هذه الحروف إلى حساب رقمي- الذي ظهر حديثا- فقد سبق بمحاولة قديمة هي حساب الجمّل الذي توصل به بعضهم إلى وقائع معينة، أو فضيلة شخص، وكل منهما وكذا ما يشابههما من أي تفسير للقرآن- على هذا النحو- باطل مردود، وذلك لأنه طريق غير مقبول للفهم في كلام العرب، ولا يجوز فهم القرآن بغير طرائق فهمهم، ولما في ذلك من فتح أبواب لأهل الباطل، فإن كتابا كبيرا لا يخلو من أن تتفق فيه كلمات أو حروف مع رقم ما، فهل نجعل ذلك دليلا على حقية ما يزعمه أصحاب هذا الرقم؟! ثم إن الله تعالى تحدى العرب والعالم أن يأتوا بمثل هذا القرآن، من الكلام الدال على المعاني، ولم يتحدّ أحدا بحروف تعدّ ثم تقسم على عدد، فإدخال هذا الأمر خروج بالقرآن أسلوبا ومضمونا وإعجازا عن حقيقة القرآن. هذا لو فرضنا أن هذا الحساب المزعوم قد انتظم، كيف وقد اختل على يد مدعيه ولم ينتظم.
وليس أمر العدد جديدا، بل قد لاحظ أسلافنا كثرة هذه الحروف في السورة التي افتتحت بها، بل ذهبوا لما هو أبعد من ذلك وهو تلاؤم مضمون السورة لهذه الحروف ونغمها الموسيقى، فعلمنا من هذه البحوث العددية المعاصرة تأكيد دراستهم فقط، وهو إحكام القرآن ودقة نظمه وعمق أغواره، ليس بطريق حساب عدد متوهم مزعوم بل بطريق دقة النظم وعمق التجاوب بين هذه الفواتح وسورها.
قال الزركشي: «وقد عد بعضهم القافات التي وردت في سورة «ق» فوجدها سبعا وخمسين، مع أن آيات السورة خمس وأربعون، وفي سورة «ن» تكرر هذا الحروف أربع عشرة ومائة مرة وآياتها اثنتان وخمسون ...
كذلك أحصى العلماء عدد كلمات القرآن وحروفه، وكلمات سوره وحروفها أيضا، فلم يكن أمر الإحصاء والعدد غائبا عنهم.
لكن العلماء كانوا أبعد نظرا وأسدّ مسلكا فإنهم أخذوا من هذا العمل بيان إحكام القرآن في نظمه ومعناه، كما رأينا.

<<  <   >  >>