القرآن هذا «وكان لا يقبل من أحد شيئا حتى يشهد شهيدان».
وقد فسر هذا القول بتفاسير متعددة كلها تشير إلى غاية التثبت، ولعل أولاها عندنا هو الاستشهاد على أن ذلك كتب بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما فسره أبو شامة المقدسي، وعلم الدين السخاوي. «ولذلك قال في آخر سورة التوبة: لم أجدها مع غيره، أي لم أجدها مكتوبة على الشرط المذكور مع غيره».
وإلا فإن خاتمة براءة محفوظة عنده وعند غيره من الصحابة، مشهورة قد وردت أحاديث في فضلها.
وبهذا جمعت نسخة المصحف بأدق توثق ومحافظة، واستغرق هذا الجمع زهاء سنة، هي مدة ما بين واقعة اليمامة ووفاة الصديق رضي الله عنه، وأودعت نسخة المصحف لدى الخليفة لتكون إماما تواجه الأمة به ما قد يحدث في المستقبل ولم يبق الأمر موكولا إلى النسخ التي بين أيدي كتّاب الوحي، أو إلى حفظ الحفّاظ وحدهم.
ويعجبنا في هذا ما قاله الإمام أبو عبد الله الحارث بن أسد المحاسبي في كتاب «فهم السنن»: «كتابة القرآن ليست محدثة، فإنه صلى الله عليه وسلم كان يأمر بكتابته، ولكنه كان مفرقا في الرقاع والأكتاف والعسب، وإنما أمر الصدّيق بنسخها من مكان إلى مكان، وكان ذلك بمنزلة أوراق وجدت في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيها القرآن منتشر، فجمعها جامع، وربطها بخيط حتى لا يضيع منها شيء (١).
وما كان أقواه وأمتنه من خيط ذاك الذي جمع به الصحابة رضي الله عنهم كتاب الله تعالى.
وقد اعتمد الصحابة كلهم وبالإجماع القطعي هذا العمل وهذا المصحف الذي جمعه أبو بكر الصديق رضي الله عنه، وتتابع عليه الخلفاء الراشدون كلهم والمسلمون كلهم من بعده، وسجلوها لأبي بكر الصديق منقبة فاضلة