للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تصبه العرب فقد كفيتموه بغيركم، وإنّ يظهر على العرب فملكه ملككم وعزه عزّكم وكنتم أسعد به. فقالوا: سحرك والله يا أبا الوليد بلسانه. قال: هذا رأيي فيه فاصنعوا ما بدا لكم» (١).

ولقد تحيرت العرب في شأن هذا القرآن لأنه نزل بلسانهم، لسان عربي مبين، ثم هم يجدونه مباينا لكلامهم، فحاروا ماذا يقولون فيه من طغيان اللدد والخصومة.

وإنه لخبر مشهور، خبر تحير الملأ من قريش، حينما ائتمرت حين حضر موسم الحج، لكي يتفقوا على قول واحد يقولونه للناس، وقد رأوا شتات كلامهم السابق المختلف، وأداروا الرأي فيما يقولون في هذا القرآن وفي النبي الكريم الذي سوف يتلو هذا القرآن على الناس في الموسم؟.

فطرحوا فكرة القول بأنه شاعر، وأنه كاهن، أو أنه مجنون أو ساحر، وصاحب المشورة فيهم الوليد بن المغيرة يرد كل ذلك عليهم بالحجة والبرهان، ثم قال: والله إن لقوله لحلاوة، وإن أصله لغدق، وإن فرعه لجناة، وما أنتم بقائلين من هذا شيئا إلا عرف أنه باطل، وإن أقرب القول فيه لأن تقولوا: «ساحر جاء بقول يفرق بين المرء وأبيه، وبين المرء وأخيه، وبين المرء وزوجته، وبين المرء وعشيرته».

فهذا التحير المظلم الذي غشاهم وأخذ منهم بالكظم، والذي نعته الوليد فأجاد النعت، كان تحيرا لما يسمعون من نظمه، وإعظاما ودهشة لما يحسون من إعجاز بيانه.

ولهذا فإنهم كانوا يخافون أن يفلت الزمام من أحدهم فيدخل في الإسلام لتأثره بعظمة القرآن، حتى قالوا لبعضهم كما سجل القرآن ذلك عليهم:

وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ.

فكانوا إذا تلا النبي القرآن عليهم صخبوا وصفقوا كيلا يتمكن الناس من


(١) تفسير ابن كثير ج ٤ ص ٩٠ - ٩١.

<<  <   >  >>