فقوله تعالى هنا: لِيَبْلُوَكُمْ المراد منه يختبركم، وأصل المقصود ليظهر أيكم أحسن عملا، ولما أن الاختبار يكشف هذه الحقائق ويظهرها فقد عبّر به عن ذلك، لكن الآية القرآنية نقلتنا من هذا المعنى المجرد إلى صورة فيها المعاناة المستمرة باستعمال كلمة لِيَبْلُوَكُمْ وأصل الكلمة من (البلى)، فصورت هذه الكلمة الإنسان بتعرضه للامتحانات واحتكاكها به في كل شئونه وكأنه قد بلي منها، وجاءت الصيغة لِيَبْلُوَكُمْ بالفعل المضارع الدال على التجدد والاستمرار لكي تحضر لك صورة هذا الإنسان وأنواع الاختبارات تتوالى عليه في عباداته ومعاملاته، وماله وبدنه، ونفسه ومجتمعه، ودنياه وآخرته هل يستقيم فيها جميعها على أمر الله أو لا يستقيم، فتتابع عليه الابتلاء حتى بلي، فأثرت الكلمة في إيجاد الصورة كما لعبت الصيغة دورا أعطى الصورة حركة وحسا، لو عبّرت بكلمة أخرى أو صيغة أخرى غير المضارع من المادة نفسها لفات من غرض الكلام ونقص مغزاه.
ولصيغة الكلمة الصرفية دورها الهام جدا في أسلوب القرآن الكريم، ينطوي على لون من قمة الإعجاز البياني، بل وجدناه ينطوي على إعجاز علمي عظيم.
ومن أمثلة ذلك هذه الآية (١): أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ ما يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ.
تصوّر كل من الكلمتين صافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ طيران الطيور في الهواء، في حال بسط أجنحتها، وفي حال ضربها بأجنحتها على جنوبها صافَّاتٍ:
أي باسطات أجنحتها وَيَقْبِضْنَ أي يضربن بأجنحتهن على جنوبهن، والصورة واضحة من التعبير، وجاءت كلمة فوقهم لتستكمل صورة الطيران فهو محلق في الهواء فَوْقَهُمْ.
لكن التأمل الدقيق يوقفنا على سر في التعبير غاية في العجب، ذلك أنه