طلع الأتابكى قيت الرجبى إلى القلعة وصلى الجمعة مع السلطان ونزل، وقفت له جماعة كثيرة من العوام وشكوا له أن أصحاب الأملاك ضيّقوا عليهم وطالبوهم بعشرة أشهر معجّلا بسبب هذه الغرامة وما لهم قدرة على ذلك، فلم يلتفت إلى كلامهم، فلما وصل إلى الجامع الصالح الذى تجاه (١) بابى زويلة فكبروا عليه العوام ورجموه فجاءته رجمة فى كلوته، وكان إلى جانبه الأمير طراباى رأس نوبة النوب فجاءته رجمة فى جبهته حتى سال منه الدم، فلما عاينوا المماليك ذلك سلّوا أسيافهم ووقعوا فى العوام وجرح منهم جماعة وقتل فى ذلك اليوم نحوا من ثلاثة أنفار، ثم إن الزعر والعبيد نهبوا عدّة دكاكين من البسطيّين إلى داخل باب زويلة، واستمرّ النهب والقتل عمال إلى قريب المغرب، ونهب للناس مال له صورة وبضائع كثيرة، حتى قيل نهب لشخص حريرى خمسمائة دينار ذهب عين، وغير ذلك من شمع وفاكهة وسكر، فلما تزايد الأمر ركب والى القاهرة وقبض على جماعة من الزعر والعبيد ووسّط منهم نحوا من أربعة عشر إنسانا، وكادت القاهرة أن تخرب عن آخرها مما جرى [فى] هذا الحادث العظيم.
فلما كان يوم السبت صبيحة ذلك اليوم وقف جماعة من السوقة من أهل الصليبة إلى الأمير أزدمر من على باى أحد المقدّمين وشكوا له حالهم وكلموه بلطافة وحشمة عن أمر أجرة العشرة أشهر، فلما طلع إلى القلعة اجتمع بالسلطان وتكلم معه فى ذلك، فاتفق الحال على أن يحط من العشرة أشهر ثلاثة أشهر وتصير سبعة كما فعل الأشرف قايتباى. ثم إن السلطان نادى فى القاهرة للناس بالأمان والاطمان والبيع والشراء وأن السلطان حطّ من أجرة البيوت والدكاكين ثلاثة أشهر وصارت سبعة، فسكن الحال قليلا.
وفى يوم الثلاثاء، ثانى عشره قبض السلطان على الأمير مصرباى الدوادار وهو بالقلعة وقد وقع اختيار الأمراء على ذلك، فلمّا قبضوا عليه أدخلوه البحرة وقيدوه، وقبضوا فى ذلك اليوم على آخرين من الأمراء العشرات من غير سبب.