وهرقل لما كان عنده من علمه بعادة الرسل، وسنة الله فيهم أنه تارةً ينصرهم وتارةً يبتليهم، وأنهم لا يغدرون علم أن هذه علامات الرسل، وأن سنة الله في الأنبياء والمؤمنين أن يبتليهم بالسراء والضراء لينالوا درجة الشكر والصبر، كما في (الصحيح) عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال:((والذي نفسي بيده، لا يقضي الله للمؤمن قضاءً إلا كان خيرًا له، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكَرَ فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراءٌ صبَرَ فكان خيرًا له)) أخرجه مسلم من حديث صهيب بن سنان الرومي، وأخرجه أحمد في (المسند) بلفظ: ((عجبت من أمر المؤمن، إن أمره كله خير)).
والله تعالى قد بين في القرآن ما في إدالة -أي: غلبة العدو- عليهم يوم أحد من الحكمة، فقال تعالى:{وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}(آل عمران: ١٣٩) وقال تعالى: {الم أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُون}(العنكبوت: ٢) إلى غير ذلك من الآيات والأحاديث الدالة على سنته في خلقه، وحكمته التي بهرت العقول.
وفي حديث ابن عباس المتقدم قال: وسألتكم عما يأمر به؟ فذكرتم أنه يأمركم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئًا، ويأمركم بالصلاة، والزكاة، والصدق، والعفاف، والصلة، وينهاكم عما كان يعبد آباؤكم، وهذه صفة نبي، وقد كنت أعلم أن نبيًّا يبعث، ولم أكن أظنه منكم، ولا وددت أني أخلص إليه، ولولا ما أنا فيه من الملك لذهبتُ إليه، وإن يكن ما تقولون حقًّا فسيملك موضع قدمي هاتين. وكان المخاطب بذلك أبو سفيان بن حرب، وهو حينئذٍ كافر من أشد الناس بغضًا وعداوةً للنبي -صلى الله عليه وسلم-.