للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الخامس: أنه يدل على حدوث هذا المقدور، وأنه كان بعد أن لم يكن، فإنه يقدره ثم يخلقه.

فالإنسان الذي ينكر القدر قلبه سقيم، فالقلب له حياة وموت، ومرض وشفاء، وذلك أعظم مما للبدن، قال تعالى: {أَومَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا} (الأنعام: ١٢٢) أي: كان ميتًا بالكفر فأحييناه بالإيمان، فالقلب الصحيح الحي إذا عرض عليه الباطل والقبائح نفر منها بطبعه وأبغضها، ولم يلتفت إليها، بخلاف القلب الذي مات، فإنه لا يفرق بين الحسن والقبيح، كما قال عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-: "هلك مَن لم يكن له قلب يعرف به المعروف والمنكر". أخرجه الطبراني في (الكبير).

فالقلب المريض بالشهوة فإنه أيضًا في حكم الذي قد مات؛ لأنه لضعفه يميل إلى ما يعرض له من ذلك بحسب قوة المرض وضعفه، ومرض القلب نوعان: مرض شهوة، ومرض شبهة، وأردأهما مرض الشبهة، وأردأ الشبه ما كان من أمر القدر، وقد يمرض القلب ويشتد مرضه ولا يعرف به صاحبه لاشتغاله وانصرافه عن معرفة صحته وأسبابها، بل قد يموت وصاحبه لا يشعر بموته، وعلامة ذلك أنه لا تؤلمه جراحات القبائح، ولا يوجعه جهله بالحق وعقائده الباطلة، فإن القلب إذا كان فيه حياة تألم بورود القبيح عليه، وتألم بجهله بالحق بحسب حياته.

[القدر خيره خيره وشره وحلوه ومره من الله تعالى]

نأتي بعد ذلك إلى جزئية أخرى إلى أن القدرخيره وشره وحلوه ومره من الله تعالى:

يدل على هذا قوله تعالى: {قُل لَّن يُصِيبَنَا إلَّا مَا كَتَبَ اللهُ لَنَا} (التوبة: ٥١) وقال تعالى: {إِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُواْ هَذِهِ مِنْ عِندِ اللهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُواْ هَذِهِ مِنْ عِندِكَ قُلْ كُلًّ مِّنْ عِندِ اللهِ فَمَا لِهَؤُلاء الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا} (النساء: ٧٨) وقوله تعالى: {مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ} (النساء: ٧٩) الآية.

<<  <   >  >>