[أصل القدر، والنزاع بين الناس في القدر، وحكم التكذيب به]
الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعد:
أ- أصل القدر:
أصل القدر سر الله في خلقه، وهو كونه أوجد وأفنى وأفقر وأغنى وأمات وأحيى وأضل وهدى. قال علي -رضي الله عنه:"القدر سر الله". فالقدر سر الله في خلقه، لم يُطلع على ذلك ملكًا مقربًا ولا نبيًّا مرسلًا، والتعمق والنظر في ذلك ذريعة إلى الخذلان ومُسَلِّم للحرمان، وكذلك أيضًا هو سلم الحرمان ودرجة الطغيان، فالحذر كل الحذر من ذلك نظرًا وفكرًا ووسوسة، فإن الله تعالى طوى علم القدر من أنامه ونهاهم عن مراده، كما قال تعالى في كتابه:{لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ}(الأنبياء: ٢٣).
فمن سأل لما فعل فقد رَدَّ حكم الكتاب، ومن ردَّ حكم الكتاب كان من الكافرين. انظر (شرح العقيدة الطحاوية) ص ٣٢٠ مؤسسة الرسالة.
ب- النزاع بين الناس في مسألة القدر: هذا النزاع مشهور، والذي عليه أهل السنة والجماعة أن كل شيء بقضاء الله وقدره، وأن الله تعالى خالق أفعال العباد. قال تعالى:{إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ}(القمر: ٤٩). وقال تعالى:{وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا}(الفرقان: ٢). وأن الله تعالى يريد الكفر من الكافر ويشاؤه ولا يرضاه ويحبه، فيشاؤه كونًا ولا يرضاه دينًا.
وخالف في ذلك القدرية والمعتزلة، وزعموا أن الله شاء الإيمان من الكافر، ولكن الكافر شاء الكفر، فَروا إلى هذا لئلا يقولوا: شاء الكفر من الكافر وعذَّبه عليه.
ولكن صاروا كالمستجير من الرمضاء بالنار، فإنهم هربوا من شيء فوقعوا فيما هو شر منه، فإنه يلزمهم أن مشيئة الكافر غلبت مشيئة الله، فإن الله قد شاء الإيمان منه على قولهم، والكافر شاء الكفر، فوقعت مشيئة الكافر دون مشيئة