للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بسم الله الرحمن الرحيم

الدرس الثامن عشر

(الجريمة في القرآن الكريم: أنواعها، وعلاجها)

تعريف الجريمة، وبيان أصلها، وأنواعها، وطرق إثباتها

الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:

فلا ريبَ أن الجريمة شر مستطير، ومعصية لله ورسوله، وإثم بَيِّن، وخطيئة وانحراف عن الطريق المستقيم، وهذه عبارات ورد أكثرها في القرآن الكريم، نرى من الفائدة التمييز بينها في الاستعمال، وكيف يقتلع الإسلام الشر من نفوس الناس، وكيف يفرَّق بينه وبين الضرر، وبين الخير والنفع، وإن كانت هذه التعبيرات تتلاقى في معانيها الشرعية مع المعاني اللغوية التي استمر عليها العُرف اللغوي، فلا يكاد الناس يختلفون في أنَّ معنى الجريمة: الفعل الذي يستوجب عقابًا أو يوجب مَلامًا.

ولكن يجب أن نبيّن معنى ذلك، وأصل الاشتقاق اللغوي، وارتباطه بالمعنى الشرعي في هذه الكلمات:

أصل كلمة جريمة:

من جرم بمعنى: كَسَب وقطَعَ، ويظهر أنّ هذه الكلمة خُصِّصَت منذ القديم للكسب المكروه غير المستحسن، ولذلك كانت كلمة جَرَم، ويراد منها الحمل على الفعل حملًا آثمًا، ومن ذلك قوله تعالى: {وَيَا قَوْمِ لَا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ} (هود: ٨٩) أي: لا يحملنَّكم حملًا آثمًا شقاقي في منازعتكم لي، على أن ينزل بكم عذاب شديد، مثل ما نزل بمَنْ سبقوكم ممن شاقوا وخالفوا أنبياءهم. ومثل قوله تعالى: {وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} (المائدة: ٨) أي: لا يحملنَّكم حملًا آثمًا بغضكم لقوم على ألّا تعدلوا معهم، ولذلك يصح أن نطلق كلمة الجريمة على ارتكاب كلِّ ما هو

<<  <   >  >>