الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
هذه الأدلة النفسية أو الداخلية هي التي تعتمد في انتزاع الدليل على الوحدانية من داخل الإنسان، لا من خارجه، ومن أعماق شعوره الداخلي ووجدانه الباطني، لا من مدركات حواسه المعروفة.
وهذا الدليل بالغ الأهمية للإنسان، وفي قضية الإيمان بالذات حتى يحاط به من خارجه ومن داخله جميعًا، فتمتلئ نفسه يقينًا لا يتسرب إليه ريب ولا قلق، وكم من إنسان امتلأ عقله بالمعارف والأرقام وفنون الإحصاء، وامتلأ عقله بعجائب هذا الكون، ولكنه يمضي متلبّد الإحساس، والسبب في ذلك تعطل وجدانه الداخلي، كما قال تعالى:{فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ}(الحج: ٤٦).
ومن هنا اهتم القرآن العظيم ببيان هذا الدليل النفسي، وساق الآيات تذكيرًا للناس بهذا الجانب الفذ، الذي أهملوه وعطلوه وطمروه تحت ركام من الشبهات والشهوات، التي رانت على قلوبهم فأظلمتها وأماتتها.
يخبرنا الله تعالى أن المشركين الذين يعطلون التوحيد، ويشركون مع الله آلهة أخرى في كل شئون حياتهم، ويجادلون غاية الجدل دفاعًا وحمية عن أوثانهم، يخبرنا الله تعالى أن هؤلاء يحملون في أعماق نفوسهم دليل الوحدانية، ويمضون صمًّا وعميانًا عنه في الرخاء، حتى إذا مستهم شدة جائحة انتفض الدليل في صدورهم حيًّا نابضًا، حين لا تغني الأصنام أو الأوهام عن أصحابه شيئًا، هم في أشد الحاجة إليه، وفي ذلك يقول تعالى:{وَإِذَا مَسَّكُمُ الْضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ}(الإسراء: ٦٧).