لم يختلف العلماء في أن القتال قبل الهجرة كان محظورًا على المسلمين بنصوص كثيرة في كتاب الله، منها قوله:{فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ}(المائدة: ١٣) وقوله تعالى: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}(فصلت: ٣٤) وقولهتعالى: {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ الْمُبِين}(النحل: ٨٢) وقوله تعالى: {وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامً ا}(الفرقان: ٦٣). وأمثال هذه الآيات كثيرة، تدل على أن المؤمنين كانوا منهيّين عن قتال أعدائهم، وهناك نصٌّ صريح بالكفِّ عن القتال، هو قوله تعالى:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلً ا}(النساء: ٧٧).
وروى ابن جرير بسنده عن ابن عباس أنه قال:((إنّ عبد الرحمن بن عوف وأصحابًا له أتوا النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالوا: يا رسول الله، كنا في عز ونحن مشركون، فلما آمنّا صرنا أذلةً، فقال -عليه السلام-: إني أمرتُ بالعفو، فلا تقاتلوا، فلمّا حوله الله إلى المدينة أُمِرَ بالقتال، فكفّوا عن القتال، فأنزل الله -تبارك وتعالى-: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ ..... })).
والحكمة في الكف عن القتال في بدء الدعوة يمكن أن نلخص أسبابها فيما يلي:
أ- إنّ المسلمين كانوا في مكة قلة، وهم محصورون فيها، لا حول لهم ولا قوة