لقد ظنَّ بعضُ الناس أن التوكل ينافي الاكتساب وتعاطي الأسباب، وأن الأمور إذا كانت مقدرة فلا حاجةَ إلى الأسباب، وهذا فاسد، فإن الاكتساب منه فرض ومنه مستحب ومنه مباح ومنه مكروه ومنه حرام، وقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- أفضلَ المتوكلين يلبس لَأْمة الحرب، ويمشي في الأسواق للاكتساب حتى قال الكافرون:{مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الأَسْوَاقِ}(الفرقان: ٧).
ولهذا نجد كثيرًا ممن يرى أن الاكتساب ينافي التوكل يرزقون على يد من يعطيهم، إما صدقة وإما هدية.
وأما قوله تعالى:{كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْن}(الرحمن: ٢٩) قال البغوي: قال مقاتل: نزلت في اليهود حين قالوا: إن الله لا يقضي يوم السبت شيئًا. قال المفسرون: من شأنه أنه يحيي ويميت ويرزق، ويعز قومًا ويذل آخرين، ويشفي مريضًا، ويفك عانيًا، ويفرِّج مكروبًا، ويجيب داعيًا، ويعطي سائلًا، ويغفر ذنبًا، إلى ما لا يحصى من أفعاله وإحداثه في خلق ما يشاء.
أما حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((وما أخطأ العبد لم يكن ليصيبه، وما أصابه لم يكن ليخطئه)) فمعناه أن المقدور كائن لا محالة.
ولقد أحسن القائل:
ما قضى الله كائنًا لا محالة ... والشقي الجهول من لام حاله