الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فالجزئية الأولى التي سنتناولها في هذا الدرس معنى الورود في قوله تعالى:{وَإِن مِّنكُمْ إلَّا وَارِدُهَا}(مريم: ٧١):
اختلف المفسرون في المراد بالورود المذكور في قوله تعالى:{وَإِن مِّنكُمْ إلَّا وَارِدُهَا} ما المراد بالورود في الآية؟
الأظهر والأقوى أن المراد بالورود في الآية هو المرور على الصراط، قال تعالى:{ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوا وَّنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا}(مريم: ٧٢).
وفي الصحيح أنه -صلى الله عليه وسلم- قال:((والذين نفسي بيده، لا يلج النارَ أحدٌ بايع تحت الشجرة -لا يلج يعني: لا يدخل- قالت حفصة: فقلت: يا رسول الله، أليس الله يقول:{وَإِن مِّنكُمْ إلَّا وَارِدُهَا} فقال -صلى الله عليه وسلم-: ألم تسمعيه قال: {ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوا وَّنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا})) أخرجه مسلم من طريق ابن جريج.
هذا الحديث أشار إلى أن ورود النار لا يستلزم دخولها، وأن النجاة من الشر لا يستلزم حصوله، بل يستلزم انعقاد سببه، فَمَن طلبه عدوه ليهلكوه ولم يتمكنوا منه يقال: نجاه الله منهم، ولهذا قال تعالى:{وَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُودًا}(هود: ٥٨) وقوله تعالى: {فَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحًا}(هود: ٦٦) وقوله تعالى: {وَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا}(هود: ٩٤) ولم يكن العذاب أصابهم، يعني: أن العذاب لم يصِب هؤلاء الأنبياء الذين ذكرهم الله -سبحانه وتعالى- ولكن أصاب غيرَهم، ولولا ما خصهم الله به من أسباب النجاة لَأَصابهم ما أصاب أولئك.
وكذلك حال الواردين النار، يمرون فوقها على الصراط، ثم ينجي الله الذين اتقوا ويذر الظالمين فيها جثيًّا، فقد بين -صلى الله عليه وسلم- في حديث جابر المذكور أن الورود هو المرور على الصراط.