أن أوتي بالرجلين استحقا القتل، فآمر بقتل أحدهما فيُقتل وآمر بالعفو عن الآخر فلا يقتل، فذلك معنى الإحياء والإماتة.
والظاهر -والله أعلم- أنه ما أراد هذا؛ لأنه ليس جوابًا لما قال إبراهيم، ولا في معناه؛ لأنه غير مانع لوجود الصانع، وإنما أراد أن يدعي لنفسه هذا المقام عنادًا ومكابرة، ويوهم أنه الفاعل لذلك وأنه هو الذي يحيي ويميت، كما اقتدى به فرعون في قوله:{مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي}(القصص: ٣٨).
ولهذا قال له إبراهيم -عليه السلام- لما ادعى هذه المكابرة:{فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ}، أي: إذا كنت كما تدعي من أنك تحيي وتميت، فالذي يحيي ويميت هو الذي يتصرف في الوجود، في خلق ذواته وتسخير كواكبه وحركاته، فهذه الشمس تبدو كل يوم من المشرق، فإن كنت إلهًا كما ادعيت أنك تحيي وتميت فأت بها من المغرب، فلما علم عجزه وانقطاعه وأنه لا يقدر على المكابرة في هذا المقام بُهت، وأصبح لا يستطيع أن يتكلم وقامت عليه الحجة، {وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}، أي: لا يلهمهم حجة ولا برهانًا، بل حجتهم داحضة عند ربهم وعليهم غضب ولهم عذاب شديد.
المشرك إن مات على شركه لا يغفر الله له. قال تعالى:{إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا}(النساء: ٤٨).