بالصناعات، ويحتاج أيضًا إلى تبادل الأعيان، والمواد الغذائية، والمصنوعات مع الأقاليم التي ليست فيها زراعة ولا صناعةٌ، ولا تَسعد أمة لا تسدُّ حاجتها بنفسها. وإذن لا بُدّ من الاحتفاظ بالزراعة والتجارة والصناعة.
ولا ريب أنّ هذه الطرق الثلاثة -الزراعة، والتجارة، والصناعة- وهي الطرق الطبيعية لتحصيل الأموال، عُمُد الاقتصاد القومي لكلّ أمة تريد أن تحيا حياة استقلالية، رشيدة عزيزة. من الضروري العمل على تركيزها في البلاد، ثم العمل على تنسيقها تنسيقًا يحقق للأمة هدفها الذي يوجبها الإسلام عليها، والذي يجب أن تحصل عليه وتحتفظ به وتنميه؛ صونًا لكيانها واستقلالها في سلطانها وإدارتها، وإذا كان من قضايا العقل والدين أنّ ما لا يتم الواجب إلّا به فهو واجب، وكانت الحياة متوقفة على هذه العُمُد الثلاثة، كانت هذه العمد الثلاثة واجبة، وكان تنسيقها على الوجه الذي يحقق خيرها واجبًا.
تحصيل المال عن طريق الإنفاق في سبيل الله:
لقد حارب الإسلام في النفوس خِصال الشح والإسراف والترف، وعمِلَ على تطهير الجماعة منها، وأعدّ النفوس للبذل والعطاء في القيام بحق الله وحق الناس، وكان له في ذلك من أساليب الترغيب في البذل والترهيب من البخل، ما يملأ قلب المؤمن بمبدأ التضحية، وأنها سبيل الله في الحياة الطيبة التي تكفل للفرد والجماعة سعادة الدنيا والآخرة.
وإنّ أول ما يطالبنا من تلك الأساليب في القرآن الكريم هو أننا لا نكاد نجد فيه ذكرًا للإيمان بالله إلّا مقرونًا بالإنفاق في سبيله، وإطعام البائس الفقير، فسورة البقرة تبدأ ببيان أوصاف المتقين الذين ينتفعون بالقرآن وهديه، ويكون منها: