هذه الطريق قليل سالكها، لا يهتدي إليها إلا الخواص، وطريقة الجمهور الاستدلال بالآيات المشاهدة؛ لأنها أسهل تناولًا وأوسع، والله سبحانه يفضل بعض خلقه على بعض.
فالقرآن العظيم قد اجتمع فيه ما لم يجتمع في غيره، فإنه الدليل والمدلول عليه، والشاهد والمشهود له. قال تعالى لمن طلب آية تدل على صدق رسوله:{أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُون}(العنكبوت: ٥١). وأكمل الناس توحيدًا الأنبياء -صلوات الله عليهم، والمرسلون منهم أكمل في ذلك، وأولي العزم من الرسل أكملهم توحيدًا؛ وهم: نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد -صلى الله عليهم أجمعين.
وأكملهم توحيدًا: الخليلان؛ محمد وإبراهيم -صلوات الله عليهما- لأنهما قاما من التوحيد بما لم يقم به غيرهما، علمًا ومعرفة وحالًا ودعوة للخلق.
أ- كلمة التوحيد وهي: لا إله إلا الله: هذه كلمة التوحيد التي دعت إليها الرسل كلها، وإثبات التوحيد بهذه الكلمة باعتبار النفي والإثبات المقتضي للحصر، فإن الإثبات المجرد قد يتطرق إليه الاحتمال، ولهذا -والله أعلم- لما قال تعالى:{وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} قال بعده: {لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيم}(البقرة: ١٦٣) فإنه قد يخطر ببال أحد خاطر شيطاني، هَبْ أن إلهنا واحد، فلغيرنا إله غيره، فقال تعالى:{لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ}.
يقول شارح (العقيدة الطحاوية): "اعترض صاحب المنتخب على النحويين في تقدير الخبر: لا إله إلا هو، فقالوا: تقديره: لا إله في الوجود إلا الله. قال: يكون ذلك نفيًا لوجود الإله، ومعلوم أن نفي الماهية أقوى في التوحيد من نفي الوجود، فكان إجراء الكلام على ظاهره والإعراض عن هذا الإضمار أَولى.