رقم ١٥٩٣. وفي المسند:((إن الله يحب أن يؤخذ برخصه كما يكره أن تؤتى معصيته)) أخرجه أحمد، الجزء الثاني ١٠٨ من طريق قتيبة بن سعيد.
وكان من دعائه -صلى الله عليه وسلم-: ((اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وأعوذ بمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك)).
فتأمَّل ذكر استعاذته بصفة الرضا من صفة السخط، وبفعل المعافاة من فعل العقوبة، فالأول للصفة، والثاني لأثرها المترتب عليها، ثم ربط ذلك كله بذاته سبحانه، وأن ذلك كله راجع إليه وحده لا إلى غيره.
فما أعوذ به أعوذ منه واقع بمشيئتك وإرادتك، وما أعوذ به من رضاك ومعافاتك هو بمشيئتك وإرادتك، إن شئت أن ترضى من عبدك وتعافيه، وإن شئت أن تغضب عليه وتعاقبه، فإعاذتي مما أكره ومنعه أن يحل بي هو بمشيئتك أيضًا، فالمحبوب والمكروه كله بقضائك ومشيئتك.
فعياذي بك منك، وعياذي بحولك وقوتك ورحمتك مما يكون بحولك وقوتك وعدلك وحكمتك، فلا أستعيذ بغيرك من غيرك، ولا أستعيذ بك من شيء صادر عن غير مشيئتك، بل هو منك، فلا يُعلم ما في هذه الكلمات من التوحيد والمعارف والعبودية إلا الراسخون في العلم بالله، ومعرفته، ومعرفة عبوديته.
فإن قيل: كيف يُريد الله أمرًا ولا يرضاه ولا يحبه، وكيف يشاؤه ويُكوّنه، وكيف يجتمع إرادته له وبغضه وكراهته؟
قيل: هذا السؤال هو الذي افترق الناس لأجله فرقًا، وتباينت طرقهم وأقوالهم.