وملكه وسلطانه، فإنه خلق هذه المتضادات وقابل بعضها ببعض، وجعلها محالّ تصرفه وتدبيره، فخلو الوجود من بعضها بالكلية تعطيل لحكمته، وكمال تصرفه، وتدبير مملكته.
ومنها ظهور آثار أسمائه القهرية. مثل: القهار، المنتقم، العدل، الضار، الشديد العقاب، السريع الحساب، ذي البطش الشديد، والخافض والمذل، فإن هذه الأسماء والأفعال كمال لا بد من وجود متعلقها، ولو كان الجن والإنس على طبيعة الملائكة لم يظهر أثر هذه الأسماء.
ومنها ظهور آثار أسمائه المتضمنة لحلمه وعفوه ومغفرته وستره، وتجاوزه عن حقه، وعتقه لمن شاء من عبيده.
فلولا خلق ما يكره من الأسباب المفضية إلى ظهور آثار هذه الأسماء -لتعطلت هذه الحكم والفوائد، وقد أشار النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى هذا بقوله:((لو لم تذنبوا لذهب الله بكم، ولجاء بقوم يذنبون ويستغفرون فيغفر لهم)) صحيح مسلم، حديث رقم ٢٧٤٨، والترمذي حديث رقم ٣٥٣٩، وذلك بلفظ:((لولا أنكم لا تذنبون لخلق الله خلقًا يذنبون فيغفر لهم)).
ومنها ظهور آثار أسماء الحكمة والخبرة، فإنه الحكيم الخبير الذي يضع الأشياء مواضعها، ويُنزلها منازلها اللائقة بها، فلا يضع الشيء في غير موضعه، ولا ينزله في غير منزلته التي يقتضيها كمال علمه وحكمته وخبرته، فهو أعلم حيث يجعل رسالاته، وأعلم بمن يصلح لقبولها ويشكره على انتهائها إليه، وأعلم بمن لا يصلح لذلك، فلو قَدر عدم الأسباب المكروهة لتعطلت حكم كثيرة، ولفاتت مصالح عديدة، ولو عُطلت تلك الأسباب -لما فيها من الشر- لتعطل الخير الذي هو أعظم من الشر، الذي في تلك الأسباب، وهذا كالشمس والمطر والرياح، التي فيها من المصالح ما هو أضعاف أضعاف ما يحصل بها من الشر.