للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُم} (محمد: ١٢)

ألوان النعيم والعذاب، وصنوف المتاع والآلام للمؤمنين والكافرين:

الله الذي خلق البشر أعلم بمن خلق، وأعرف مما يؤثر في قلوبهم، وما يصلح لتربيتهم ثم ما يصلح لنعيمهم ولعذابهم، والبشر صنوف، والنفوس ألوان، والطبائع شتى تلتقي كلها في فطرة الإنسان، ثم تختلف وتتنوع بحسب كل إنسان، ومن ثم فصل الله ألوان النعيم والعذاب وصنوف المتاع والآلام وفقَ علمه المطلق بالعباد.

هناك ناس يصلح لتربيتهم ولاستجاشة همتهم للعمل، كما يصلح لجزائهم ويرضي نفوسهم أن يكون لهم أنهار من ماء غير آسن، أو أنهار من لبن لم يتغير طعمه أو أنهار من عسل مصفى، أو أنهار من خمر لذة للشاربين، أو صنوف من كل الثمرات، مع مغفرة من ربهم تكفل لهم النجاة من النار والمتاع بالجنات.

فلهؤلاء ما يصلح لتربيتهم وما يليق لجزائهم، وهناك ناس يعبدون الله؛ لأنهم يشكرونه على نعمه التي لا يحصونها؛ أو لأنهم يحبونه ويتقربون إليه بالطاعات تقرب الحبيب للحبيب، أو أنهم يستحيون أن يراهم الله على حالة لا يحبها، ولا ينظرون وراء ذلك إلى جنة أو إلى نار، ولا إلى نعيم أو عذاب على الإطلاق، وهؤلاء يصلح لهم تربية، ويصلح لهم جزاء أن يقول لهم: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا} (مريم: ٩٦).

وقال تعالى: {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِّن مَّاء غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ} (محمد: ١٥) فهنا نوعان من الجزاء، هذه الأنهار مع كل الثمرات مع المغفرة من الله، والنوع آخر: {كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاء حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءهُم} (محمد: ١٥) وهي صورة حسية عنيفة من العذاب، تتناسب مع غلظ طبيعة القوم، وهم

<<  <   >  >>