وروى ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير قوله تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}[الأنبياء: ١٠٧] أَنَّهُ قَالَ: " مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ الرَّحْمَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ عُوفِيَ فِي الدُّنْيَا مِمَّا أَصَابَ الْمَاضِينَ مِنَ الْخَسْفِ وَالْقَذْفِ. . "
وإذا قاتل المسلمون الكفار المعادين فإنه لا يجوز لهم قتل النساء والأطفال، ولا الشيوخ ولا الرهبان في صوامعهم.
وإن دينا هذه حقيقته، وهذا مقصده لا يسعه إلا أن يكون سمحا سهلا مع الخلق أجمعين، من كان منهم من أتباعه ومن لم يكن، حتى الأحوال التي تقتضي الشدة والحزم فإنها تنطوي على جوانب من السماحة واليسر لا يوجد لها نظير في غيره.
ومن ذلك إقامة الحدود والقصاص على من وقعوا فيها، فإنه لا يجوز لعنهم ولا مجاوزة العقوبة المقدرة في حقهم، ومن ذلك أيضا ذبح البهائم لأكلها، فإنه لا بد للذابح من مراعاة عدم تعذيبها:«إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذِّبْحَةَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ، وَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ»(١) .
ولما كان جانب التعامل في هذه الحياة من أهم الجوانب لاتصاله بعلاقات الناس، وأحوالهم وأخلاقهم فإن الشريعة الإسلامية المطهرة أولته
(١) هذا حديث شداد بن أوس رضي الله عنه أخرجه الإمام مسلم في " صحيحه ": ٣٤ - كتاب الصيد والذبائح، ١١ - باب الأمر بإحسان الذبح والقتل وتحديد الشفرة ح (٥٧ = ١٩٥٥) ، ص (٨٧٣) .